للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهؤلاء المتبجحون بمعرفة الإسلام ومعرفة أحكامه وشرائعه والذين يشيرون في عباراتهم أو فحوى كلامهم إلى أنهم يحترمونه أو يقدسونه، وهم في الوقت ذاته يبطلون جملة كبيرة من أحكامه وشرائعه وينظرون إليه بمنظار التشكيك، ويقرأون تعاليمه وتاريخه بعين الغرب الماديّ، ويفهمون التدين بصيغته الأوروبية، يفهمونه على أنه مجرد علاقة بين الإنسان وربه ولا شأن له بالواقع من أي باب، باستثناء باب الأخلاق والفضائل عند بعضهم، أو باب العقائد المجردة التي لا لوازم لها عن البعض الآخر، أو من باب العبادات الشعائرية عند آخرين، ثم يسعون لتطويع الإسلام لفكر الشرق أو الغرب وتحويره ليوافق إلحاد الملحدين، وشذوذ الشاذين فكريًا أو خلقيًا، ويقولون كما قال أسلافهم: {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقً} (١)، ويطلقون على عملهم هذا مصطلح "الاستنارة"، ويسمون أنفسهم أصحاب الإسلام المستنير، وغاية عملهم تتمثل في تقليص نطاق الشريعة إلى أقصى حد، وتطويع أحكام الإسلام بالحذف تحت شعارات "الاجتهاد المرن"، وإزاحة سيادته تحت لافتات "توسيع المصالح، واستبقاء المثل العليا" ونحو ذلك ليصلوا في النهاية إلى الانخلاع التام من الشريعة، وإبطال موازين الحلال والحرام، والتطويع والتوفيق بين انحلال الغرب وضلاله والإسلام وهدايته وأحكامه، هذا هو مسلك هؤلاء الذين جاسوا خلال ديار المسلمين فكان من آثارهم التخريبية ما كان، واللَّه المستعان.

قال بعض أهل العلم في وصف أحوال سلف هؤلاء في معرض استدلاله بآيات سورة النساء السالفة: (. . . كما ذم المدعين الإيمان بالكتب كلها وهم يتركون التحاكم إلى الكتاب والسنة ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت المعظمة من دون اللَّه، كما يصيب ذلك كثيرًا ممن يدعي الإسلام وينتحله في تحاكمهم إلى مقالات الصابئة الفلاسفة أو غيرهم، أو إلى سياسة بعض الملوك الخارجين عن شريعة الإسلام من ملوك الترك وغيرهم، وإذا قيل لهم تعالوا إلى كتاب اللَّه وسنّة رسوله أعرضوا عن ذلك إعراضًا، وإذا أصابتهم مصيبة في عقولهم ودينهم ودنياهم بالشبهات


(١) الآية ٦٢ من سورة النساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>