قضايا حياته اليومية البسيطة، لا يرود هذه الميادين المعقدة، ولو أن العم مصطفى توقف عند حدود السؤال، أو قصر الحكاية عليه، لما وجد استجابة كبيرة من مستمعيه، فمثل هذا السؤال لا يهزهم وإن هزهم فلفترة قصيرة ثم يجيبون عليه وفق خبراتهم البسيطة ويستريحون من القلق.
غير أن مثير السؤال مؤهل للتفكير في مثل هذه القضايا، وقد عرفنا من صفاته ما يجعلنا نتوقع أن هذا السؤال يشغله، ويملؤه بالقلق والرعب؛ لأنه لا يملك جوابًا مقنعًا، ولذلك ينقل العم مصطفى قلقه وتأملاته المرعبة إلى الفلاحين، ويقدم لهم صورة من الحياة تحمل هذا التساؤل، وتزرع فيهم أطرافًا من قلقه ورعبه. . .
والصورة التي يقدمها تستخدم التضليل المنطقي، وتتكي على المفهومات المنتشرة بين الفلاحين، وتخدع الفلاحين بمغالطة عجيبة، فهي تبدأ من إيمانهم بالقدر، ثم تدور دورة قصيرة وتعود لتسلخ هذا الإيمان وتشوه صورة القدر في أذهانهم. . .
. . . وكان العم مصطفى في الصورة كلها قناعًا يختبيء وراءه الشاعر، ويحمل أزمته الخانقة وسؤاله الذي يعذبه: ما غاية الحياة؟، وعجز الشاعر عن فهم غاية الحياة مرتبط بخوفه الشديد من الموت، فهو لا يملك تصورًا يفسر له علة وجوده، ولا إيمانًا يشرح له قضية الموت والعالم الذي وراءه، لذلك تحولت قضية الموت عنده إلى صدمة موجعة لا يدري كيف يتخلص منها. . . . .) (١).
ولصلاح عبد الصبور كلمات أخرى تنم عن هذا المعنى الذي ذكره في قصيدة الناس في بلادي يقول:
(تسألني رفيقتي: ما آخر الطريق؟
وهل عرفتُ أوله؟
(١) مقدمة لنظرية الأدب الإسلامي للدكتور عبد الباسط بدر: ص ٦٨ - ٦٩، ٧٣.