وجنون العظمة، وهي صفات تؤهله (١) ليكون ناجحًا في القيام بالأدوار التي تريدها الدول الغربية في بلاد المسلمين، احتوته فرنسا وأنشأت له جيشًا حديثًا مدربًا ومجهزًا، وأسطولًا بحريًا حديثًا وترسانة بحرية، والقناطر الخيرية لتنظيم عملية الري في مصر.
وقام محمد علي في مقابل ذلك بدور خطير في نقل مصر من المرتكز الإسلامي إلى شيء آخر، لقد كان الغرب يهدف إلى القضاء على الإسلام الحقيقي، الإسلام الصحيح الفعال، ووضع -آنذاك- أهدافًا مرحلية معينة تحقق له الوصول إلى غرضه، ومن أهم هذه الأهداف: القضاء على الكيان العضوي الجامع للمسلمين تحت راية "الدولة العثمانية"، والقيام بحملات "تغريب" للمسلمين، والتركيز على مصر -بلد الأزهر ومركز الثقل-، وتصدير التغريب إلى بقية العالم الإسلامي؛ ليضمنوا حينئذٍ تفتيت القوة الموحدة، ويحققوا تبعية العالم الإسلامي للغرب.
وكان محمد علي من أبرز من قام بهذا الدور، فقد أغروه بالانفصال عن الدولة العثمانية ومحاربتها والاستقلال عنها، ومكنوه من القيام بعملية التغريب، من خلال إغرائه بتحديث الدولة المستقلة!! وتحقيق أسباب القوة لها وكانت سياسة "الابتعاث" من أخطر ما فعله محمد علي لتحقيق المخطط التغريبيّ، ومنه بدأ الخطر "العلماني" يدخل ساحة التعليم والثقافة والفن والأدب ثم إلى ساحة الحياة العامة.
قام محمد علي بإرسال الشباب الصغار الأغرار عديمي الحصانة إلى فرنسا ليأخذوا من هناك ما شاءوا من العلم أو الفساد أو السلوك الغربي أو العمالة، ثم ليعودوا بعد ذلك ليكونوا رسل الغرب فكريًا وسلوكيًا وسياسيًا في بلاد المسلمين.
نعم كان محمد علي يرسل مع المبتعثين إمامًا للصلاة، يؤمهم
(١) هذه الصفات كانت متوفرة بعد ذلك في مجموعة من أدوات التخريب الغربيّ ومنهم أتاتورك وعبد الناصر وبورقيبة وصدام وغيرهم، ولذلك كانت من أبرز المؤهلات لاختيارهم ودفعهم لتنفيذ المآرب الغربية.