للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإلحاق الأولى التي يعتز بها العلمانيون والحداثيون اليوم.

ومع اعتزازهم به يشهدون بأنه (إبان احتلال الجزائر كان الطهطاوي يقيم في فرنسا، ولم يعتقد أن هناك معنى للقول بأن أوروبا خطر سياسيّ، ذلك أن فرنسا وأوروبا لم تسعيا في نظره وراء القوة السياسية والتوسع بل وراء العلم والتقدم الماديّ، كان عهده عهد اختراعات عظيمة، فكتب عنها بإعجاب "قناة السويس" ومشروع قناة بنما، والخط الحديدي القاريّ في أمريكا، ويبدو أن تطور المواصلات أدهشه حقًا فخص القطار البخاريّ بقصيدة عامرة. . . وحين احتلت الجزائر كان الطهطاوي هناك فلم ينل الحدث اهتمامه، وأوجز رؤيته لاحتلال الجزائر بالقول: إن الحرب بين الفرنساوية وأهالي الجزائر إنّما هو مجرد أمور سياسية ومشاحنات تجارات ومعاملات ومشاجرات ومجادلات منشؤها التكبر والتعاظم) (١).

وهذا النص وحده كاف في تصوير مقدار المسخ الذي أصاب عقل هذا الرجل الذي نال من الشهرة والإعجاب عند العلمانيين والمستغربين العرب ما لم ينله سواه (٢)، نعم لم يكن هو الوحيد الذي سعى في إلحاق الأمة بالغرب، ولكنه كان الأظهر والأشهر.

وكانت كتبه المؤلفة والمترجمة أدلة صارخة على سعيه هذا، فهو على صعيد محاربة الشريعة الإسلامية -مثلًا- قام (بترجمة دستور ١٨١٨ م الفرنسي والمواد المعدلة التي أدخلتها عليه ثورة ١٨٣٠ م، وترجمة "العقد الاجتماعي" لروسو، و"روح القوانين"، و"تأملات في أسباب عظمة نهضة الرومان وانحطاطهم" لمونتسيكو. . . ولم يرفض استخدام العامية. . . وكان "تخليص الإبريز" الذي طبع عام ١٨٣٤ م هو البشارة الطهطاوية بمصر الجديدة التي لم يرها، ولكنها الممكنة، وعلى الرغم من أن الفكرة الوطنية المصرية والرؤية الليبرالية هما محور هذا الكتاب إلّا أن محمد علي. . . لم


(١) بحثًا عن الحداثة: ص ١٠٥ - ١٠٦.
(٢) انظر: أمثلة من ثنائهم عليه في قضايا وشهادات ٢/ ١١، ١٢، ٢/ ١٢٢ - ١٢٣، ٢/ ١٤١ - ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>