المرجع التراثي الحقيقي للشعر، ومن هنا لايجد إلا الطلب إلى "الأدباء الواعين أن يحجوا ويسيحوا إلى مقام الآلهة السورية، فيعودوا من سياحاتهم حاملين إلينا أدبًا نكتشف حقيقتنا النفسية ضمن قضايا الحياة الكبرى التي تناولها تفكيرنا من قبل في أساطيرنا التي لها منزلة في الفكر والشعور الإنسانيين، تسمو على كل ما عرف ويعرف من قضايا الفكر والشعور") (١).
يتضح لنا من خلال النقل السابق أن أنطون سعادة جعل الأساطير الوثنية والخرافات الجاهلية محور فكرته ومنطلق مذهبه وأساس دعوته، وربط الإبداع والنهضة والبعث والإنماء بهذه التصورات والعقائد الوثنية وربط أتباعه بهذا المفهوم، فقاموا هم بدورهم وبحماسة أكبر، وبتنظير أطول وممارسة أكثر، ببث الدعوة إلى هذه الوثنيات وتأصيل الإيمان بها وتقوية الدعاية لها، فانساقوا في أودية الخرافات والأوهام يستجلبون من رمادها عناصر الحياة لفكرتهم الميتة.
ومن أعجب الأعاجيب أن الحداثيين ينادون بالعقلانية ويدعون المنطقية، وهم مع هذه الدعوى العريضة يستسلمون لهذه الخرافات يؤمنون بها ويقدسونها ويجعلونها أساسًا للنهضة والارتقاء!!.
ولكن أنطون سعادة قد أقنعهم بأن هناك فرق بين الخرافة والأسطورة، (فيرى أن الخرافة هي نتاج مجتمع بدوي محدود، مشدودة إليه ومنحصرة في جموده، في حين أن الأسطورة هي نتاج حضاري تعبر عن هم إنساني شامل، فيرى أن عكس الخرافة هو "الأساطير الراقية ذات الصبغة الفلسفية المتناولة قضايا الحياة الروحية والمادية، الملازمة للجماعات البشرية التي أظهرت استعدادًا نفسيًا عاليًا، وجعلت أساطيرها ذات مغزى في الحياة والممات كالأساطير السورية" ويعدد منها أساطير أدونيس وطافون وإيل والبعل، ويشرح بعضها، ويشترط سعادة تجديد هذه الأساطير، عبر نظرة جديدة إلى الحياة والعالم تقدم "فهمًا جديدًا للحياة" من هنا يلح على
(١) المصدر السابق: ص ١٢٣، وما بين علامتي التنصيص لأنطون سعادة في كتابه الصراع الفكري في الأدب السوري: ص ٨٦.