للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صميم هذه الحضارة بل كانوا على هامشها، لذلك لم تدخل ضمن هذه الحضارة الإنسانية ولم تتفاعل معها، ولم تطبعها بطابعها، بل على العكس ظلت غريبة عنها، فناصبتها العداء حتيهذا التاريخ، ومشكلة المسلمين اليوم هي وقوفهم ضعفاء أمام ورثة الحضارة، الأقوياء في كل شيء، فما لم تنهض في الإسلام عقول متفتحة على الحضارة الإنسانية الواحدة فإني لا أرى للمسلمين ولا للعالم الإسلامي إلا ذلك المصير المظلم) (١).

وليس من مهام هذا المبحث التصدي لهذه الأغاليط والأكاذيب.

إلّا أن المهم هنا أن نرى حجم هذا الحقد الصليبي على الإسلام، ودفن كل معالم الحضارة الإنسانية القوية الفاعلة التي أثرت في حياة البشرية من زمن البعثة حتى اليوم. كيف كانت أوروبا في القرون الأولى للإسلام؟ كانت تغلط في ظلام دامس وبهيمية تائهة، بشهادة المؤرخين الأوروبيين أنفسهم، حتى إذا أطلت عليهم شمس الإسلام، ودرسوا في مدارس المسلمين، ونقلوا الكتب إلى بلدانهم من الأندلس وبغداد ودمشق وفلسطين ومصر، وبدأوا يفتحون عيونهم على أمور عقلية وتجريبية لم يكونوا يعرفونها ثم واصلوا وبنوا على ما أخذوا حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم، من تقدم مادي، أما العقائد والأخلاق فإنهم في أسفل سافلين، وقول الخال بأنهم أقوياء في كل شيء يكذبه واقع حياتهم الاجتماعية والخلقية والاعتقادية، الذي يضج بانحرافات هائلة مفجعة، اشتكى منها كل ذي عقل منهم، وتذمر من بلائها المستطير كل من احتك بهم، ويكفي أنهم وردّوا إلى العالم أمراض الجنس المستعصية كالإيدز، وقننوا في بعض بلدانهم الشذوذ الجنسي، وأعطوا أهله المكانة والاحترام، وسوغوا الجريمة باسم مدارة النفس وعلاجها، وحطموا الإنسانية باسم الحرية المنفلتة من كل قيد، ومارسوا الظلم على الأمم والشعوب الأخرى باسم النظام العالمي، والإرادة الدولية وحق الفيتو.


(١) المصدر السابق: ص ١٦١ - ١٦٢، وقد نقل هذا النص عبد الحميد جيدة في كتابه "الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر" وناقش هذه الأغاليط ورد عليه: ص ٤٥ - ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>