للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان احتمال ذلك كله كفارة لخطايا العالمين تخلصهم من ناموس هلاك الأبد، وهذا هو "الخلاص". . .

وهذه الألفاظ الأربعة، لا تعامل معاملة أشباهها، من جهة دلالتها على عقيدة متكاملة، فالخطيئة في لغة العرب الجاهليين، ثم في لغة المسلمين، لا تحمل شيئًا من معانيها ولوازمها في لغة النصارى، وإن كان اللفظ واحدًا، ومعصية آدم عندنا معصية كسائر المعاصي تمحوها التوبة، وخطيئة كسائر خطايا الناس، تغسلها المغفرة ممن يملك المغفرة، وهو اللَّه سبحانه، وقد بين اللَّه ذلك في قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧)} (١) فكانت توبة آدم ماحية لمعصيته في الدنيا والآخرة، لا تستتبع عقوبة باقية، وأن اللَّه سبحانه كتب في صحف إبراهيم وموسى {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨)} (٢) فلا يرث مولود خطيئة والد {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (٤٠) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (٤١)} (٣)، فهذا ينقض على المسلم استعماله لفظ "الخطيئة" بمدلولها في الديانة المسيحية؛ لأن هذا الضرب من "الخطيئة" لا أصل له في عقيدته، بل هو منهي أن يعتقد توارث الخطيئة؛ لأنه إذا اعتقد ذلك كذب خبر اللَّه في كتابه، بأن لا تزر وازرة وزر أخرى، وتكذيب خبر اللَّه واعتقاد خلافه كفر مجرد، لا يختلف في ذلك أحد من المسلمين ولا العقلاء عامة مسلمين أو غير مسلمين.

وإذا بطل أن يكون للفظ "الخطيئة" عند المسلمين معنى يحمله، كالذي هو عند النصارى، بطل أن تحتاج معصية آدم إلى فدية تتطلّبها ضرورة الجمع بين الرحمة والعدل.

و"الفداء" بالمعنى الذي تدل عليه عقيدة النصارى، غير مفهوم عند أحد من المسلمين، ولا يرى ما يستوجبه، إذ لم تكن الخطيئة عندهم متوارثة


(١) الآية ٣٧ من سورة البقرة.
(٢) الآية ٣٨ من سورة النجم.
(٣) الآيات ٣٩ - ٤١ من سورة النجم.

<<  <  ج: ص:  >  >>