للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علمًا بأن أدباء الحداثة لا ينفون مطلقًا التبعية للغرب، والانتماء إليه فكريًا وثقافيًا واعتقاديًا، وهذا ما يقرره محمد مندور (١) في مقدمة الأدب ومذاهبه، يقول: (لا شك أن الأدب العربيّ الحديث قد تأثر بالآداب الغربية تأثيرًا يفوق تأثره بالآداب العربية القديمة، وذلك منذ أن أخذ العرب يتصلون بالعالم الغربيّ سواء بواسطة المبشرين والمحتلين ورجال المال والتجارة الذين وفدوا إلى بلاد العرب، أو بواسطة البعثات العلمية التي أرسلتها البلاد العربية إلى البلاد الغربية، وكان هذا التأثير إمّا عن طريق الترجمة وإمّا عن طريق القراءة في اللغات الأصلية للآداب الغربية) (٢).

ويقول في موضع آخر: (. . . إن كل حركات التجديد التي نشأت في الأدب العربي المعاصر إنّما تستمد في الغالب وحيها من الآداب الأجنبية. . .) (٣).

وهذا الاستمداد من الآداب الغربية ليس مقصورًا على الأنماط والأشكال والأساليب كما يتوهم بعض التلفيقيين، بل هو ممتد إلى الأفكار والعقائد والمضامين، بل إن هذه هى أولى ما بدأ النَقَلَة العرب المعاصرون باعتناقه ونقله ونشره، وهم يعرفون ذلك ويؤكدون حصوله، ويعترفون بأن ما يقومون به ليس إلّا انعكاسًا كليًا لمرآة الحداثة الغربية، وأنه انقياد وامّحاء كلي أمام نماذج الغرب (٤).


(١) هو: كاتب وناقد مصريّ وأستاذ جامعيّ متخصص في الأدب والنقد، ولد سنة ١٣٢٥ هـ/ ١٩٠٧ م، وتوفي سنة ١٣٨٤ هـ/ ١٩٦٥ م أكمل دراسته العليا في فرنسا، رأس تحرير جريدة المصريّ والوفد المصريّ وصوت الأمة وانتخب في البرلمان المصريّ، كان مهتمًا بالمسرح، ملمًا باللغة اليونانية، غزير الثقافة، غربيّ النزعة، ومدافعًا عن أهل الانحراف مثل لويس عوض وأشباهه، تعاون مع المنظمة العالية لحرية الثقافة. انظر: الصراع بين القديم والجديد ٢/ ١٢٧٨، وأباطيل وأسمار: ص ٤٦٤ - ٤٨١، وتوفيق صايغ سيرة شاعر ومنفى: ص ١٤٠.
(٢) الأدب ومذاهبه - محمد مندور: ص ٣٠.
(٣) المصدر السابق: ص ٤.
(٤) انظر: كتاب قضايا وشهادات: الحداثة ص ٢، الوطني الاختلاف حداثة الآخر ٣ شتاء ١٩٩١ م/ الموافق ١٤١١ هـ ص: ٢١٥. =

<<  <  ج: ص:  >  >>