للدين من عهد وطاعة، حتى إذا عادت الكنيسة بالمسيحية إلى مكانها الطبيعي، تبشر وتهدي فقط، رجع الآبقون إليها، ولاذوا من جديد بها، وبدأت تستعيد سلطانها الأدبي واستقرارها التاريخي (ص ١٥١).
وإذًا فالسبيل واضحة، إما أن نفصل الكنيسة المسلمة (!!! ) عن الدولة وإما أن يثور الناس على الإسلام و"كنيسته" معًا، ولعل القارئ البسيط يسأل: وما هي "كنيسة الإسلام"؟! وهل في الإسلام كنيسة؟! وهو سؤال بديهي الآن، ولكن -في حقبة التنوير- كان عكس ذلك هو البديهي إن خالد محمد خالد لم يكلّف نفسه الوقوف ليسأل، وما وجه الشبه بين التجربة المسيحية وصراعها الأوربي، والتجربة الإسلامية؟ وما هي بالتحديد "الكنيسة" أو نظيرها الذي يتوجّب عزله عن الدولة؟ إن المسألة كانت محسومة في أذهان ذلك الجيل، وهي أن التجربة الأوربية "أنموذج" وعلى الجميع احتذاؤه، وهي "مثال" وعلى من يطلب النور والحضارة أن يتمثل به ويشابهه، ويسير على دربه، ويتبع خطاه.
وكتاب "من هنا نبدأ" موزع على فصول أربعة، جاءت الفصول الثلاثة الأولى منها مصدَّرة بعبارات لنفر من مفكري أوربا المحدثين هم على التوالي "فولتير" و"توماس بين"، و"فولتير" مرة ثانية؟!! وهي لمحة نلفت بها ذهن القارئ لتفهم طبيعة التكوين النفسي لرموز "التنوير" ومبلغ إدراكهم لمنابع النور! كتب خالد محمد خالد يدعو للنهوض برسالة المسجد في الإسلام بحيث تؤدي دورها "النموذجي"، فإذا به ينحرف فجأة لأخذ النموذج من "الكنيسة"، يقول:"ولقد أن الأوان لرسم سياسة للمسجد، وتنظيم رسالته أو تهذيب وسائله، فالكنائس في الغرب تعمل مع المجتمع لا ضده، وتمجد الرقي لا تلعنه وتدعو إلى الحياة لا الموت، وتتطور مع العلم والزمن"(ص٧٢).