حق حقه، لاستراح واسترحنا، ولكنه مال إلى واحد فأطرى في مدحه العباسي ونال من الآخر فأسرف في تهجينه وذمه الأموي، ثم إنه لم يفارق في مدحه وذمه عمود الكتاب أي: ذم العرب، والحط من شأنهم فإنه ذم بني أمية لأنهم العرب، ومدح العباسيين لا لأنهم العرب، ولا لأنهم من سلالة بني هاشم أو من أقرباء النبي - صلى الله عليه وسلم - بل لأمر واحد: لأن دولتهم دولة أعجمية.
ثالثًا: حريق خزانة الإِسكندرية:
عقد المؤلف بابًا لإثبات أن حريق خزانة الإسكندرية كان بأمر عمر بن الخطاب وأطال وأطنب في ذلك واستدل عليه بستة دلائل (الجزء الثالث) أهمها رغبة العرب في صدر الإسلام في محو كل كتاب غير القرآن.
وقد كشف الشيخ النعماني أن هذا غير صحيح، وأن المسلمين نظروا في كل الكتب، ونقلوا في تفاسيرهم روايات مختلفة فيها الغث والسمين مما نقل إليها من الأديان الأخرى، فلو كان أهل القرون الأولى يبغضون ما سوى القرآن ويمحون ما كان قبله من العلم -كما يدعي المؤلف- فمن روى الإسرائيليات وأقاصيص التلمود والتوراة وحشاها في التفسير؟
ثانيًا: أورد ما جاء في تاريخ مختصر الدول لأبي الفرج ثم نقل رواية الإحراق برمتها وأطال في إثبات أن أبا الفرج ليس بأول من روى هذه الرواية، بل ذكرها عبد اللطيف البغدادي عرضا في ذكره عمود السواري وذكرها القفطي في تاريخ الحكماء.
ولا ننازع المؤلف في أن أبا الفرج مسبوق في ذكر هذه الرواية بالقفطي والبغدادي، ولكن ماذا ينفعه ذلك؛ فإن البغدادي وهو أقدمهما من أهل القرن السادس للهجرة، قد ذكر الرواية من غير إسناد ومن غير إحالة على كتاب.