للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- ويقول: لقد تعود المؤلف من صباه قبول مختلقات أهل الكتاب وأوهامهم وسبب ذلك أنه يزن التاريخ الإسلامي بميزان غير ميزاننا، ولذلك يصغي إلى كل صوت ويستمع لكل قائل، ولكل فن أصول وقواعد وما لم تكن الرواية مطابقة لهذه الأصول اليقينية لا يلتفت إليها أصلاً.

ومنها أن الناقل للرواية لا بد أن يكون شهد الواقعة؛ فإن لم يشهد فليبين الرواية ومصدرها، حتى تتصل الرواية إلى من شهدها بنفسه.

ومنها أن يكون رجال السند معروفين بصدقهم وديانتهم، وأنت تعلم أن البغدادي والقفطي من رجال القرن السادس والسابع، فأي عبرة برواية تتعلق بالقرن الأول يذكر أنها من غير سند ولا رواية ولا إحاله إلى كتاب.

أما كتب القدماء الموثوق بها، فليس لهذه الرواية فيها أثر ولا عين، وهذا تاريخ الطبري واليعقوبي و"المعارف" لابن قتيبة، و"الأخبار الطوال" للدينوري، و"فتوح البلدان" للبلاذري، و"التاريخ الصغير" للبخاري، وثقات ابن حبان و"الطبقات" لابن سعد، قد تصفحناها وكررنا النظر فيها، مع أن فتح الإسكندرية مذكور فيها بقضها وقضيضها فليس لحريق الخزانة ذكر.

والحاصل أن محققي أهل أوربة قضوا بأن الواقعة غير ثابته أصلاً، منهم (جيبون) المؤرخ الشهير الإنجليزي، و (درببر) الأمريكاني، و (سيديو) الفرنسي، و (كارليل) الألماني، والمعلم (رينان) الفرنسي وعمدتهم في أفكار ذلك أمران:

الأول: أن الواقعة ليس لها عين ولا أثر في كتب التاريخ الموثوق بها كالطبري وابن الأثير، والبلاذري وغيرها مما ذكرنا.

والثاني: أن الخزانة كانت قد ضاعت قبل الإسلام، اثبتوا ذلك بدلائل لا يمكن إنكارها.