للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكما رأينا (الباي أحمد) لا يحيد قيد أنملة عن آراء وزيره المؤتمن الفرنسي (جوزاب دافو) ويقوم بتنفيذ ما يقرره ويراه، حتى لو كان ذلك في أخطر أمور البلاد وأهمها كالنواحي الدفاعية والعسكرية لتسقط البلاد فريسة سهلة تحت الاحتلال الفرنسي.

فإن (الخديوي إسماعيل) كان لا يثق إلا بكل ما هو آت من الغرب، وبكل ما هو أوربي؛ ففي المجال العسكري مثلاً كان الضابط الأوربي الجديد مقدمًا على من هو أعلى منه رتبة وأكثر خبرة وتمرسًا من الضباط المصريين والمسلمين بالطبع.

هذه الثقة العمياء التي منحها (الخديوي إسماعيل) العسكريين النصارى، وهذا الولاء المعلن الذي أولاهم إياه كانت له عواقب وخيمة جدًّا، ودفعت البلاد الثمن باهظًا لتلك السياسة الخرقاء. ولعل أصدق مثال على ذلك هو هذه الحادثة المؤلمة التي يرويها لنا واحد ممن عاشوا وقائعها، وهو القائد المعروف (أحمد عرابي) (١) (المتوفى سنة ١٣٢٩ هـ)؛ فحين قام (الخديوي إسماعيل) بتسيير حملة عسكرية إلى بلاد الحبشة عام ١٢٩٢ هـ وعهد بقيادتها إلى (راتب باشا) سردار العساكر المصرية، وأمر هذا القائد أن يكون مقيدًا برأي أركان حربه الجنرال (لورنج) وهو أمريكي كما يقول أحمد عرابي: "لا يعرف الفنون العسكرية، وإنما كان رئيس فرقة في الحرب الأمريكية من ضمن الفرق غير النظامية أي (المتطوعين) وكان أكثر رجال أركان الحرب الذين معه من بني جنسه فكان هذا الترتيب سبب الفشل الذي حاق بالمصريين في تلك الحملة".

ثم يذكر أحمد عرابي كيفية سير هذه الحملة ووصولها إلى الحبشة ويبين


(١) "الأعلام" للزركلي (١/ ١٦٨).