"تراث الإنسانية" وإنما تراث الإنسانية الصحيح هو معطيات الأديان السماوية المنزلة التي جاءت بالحق من ربها قبل أن تفسدها تفسيرات الحاخامات والرهبان، ونحن إذا عدنا إلى أصول هذا التراث في الحنيفية السمحة التي جاء بها إبراهيم -عليه السلام- وامتدت في رسالات موسى وعيسى ومحمد وجدنا التراث الصحيح الذي يمكن أن يسمى تراث الإنسانية جمعاء، أما تلك الأوهام والأهواء التي قدمها سقراط وأرسطو وأفلاطون أو مزدك، وماني ومجوس؛ فإن هذا ليس تراث إنسانية ولكنه أهواء البشرية حين انحرفت عن رسالة الدين الحق المنزل، ولذلك فإنه من الغش للناس أن يقول لهم أن هذا تراثهم؛ وإذا كان غالي شكري يعتبر أن كتابات هذه المرحلة الماركسية التغريبية هي بمثابة ثقافة تحتضر فإنا نصدقه في هذا التصور، ولكن لا نرى أن غياب الدولة العصرية هو مصدر النكسة، وإنما نرى أن غياب الأصالة العربية في فهم أمور السياسة والاجتماع والاقتصاد استمدادًا من المنهج الأصيل هي مصدر النكسة، وإن محاولة الادعاء بالدولة العصرية هي محاولة مضللة؛ فإن تلك المراحل الطويلة التي قطعتها أمتنا من الهزيمة إلى النكبة إلى النكسة، إنما كانت تحت لواء الدولة العصرية جريًا إلى المفهوم الغربي الليبرالي وتحولاً إلى المفهوم الماركسي الشيوعي وكلاهما لم يكن أكثر من محاولة لدحر هذه الأمة وتدمير شخصيتها، ولقد تبين بعد النكسة أن الطريق الصحيح هو طريق الأصالة الذي خدعت عنه هذه الأمة بتلك المصطلحات والشعارات، وإن أمثال غالي شكري إنما كانوا ولا يزالون يدعون هذه الأمة إلى أن تصفي وجودها بالانصهار في العالمية الممزقة أو الأممية الضالة، في ظل حضارة تحتضر وثقافة تنهار، وفي إطار أزمة المادية المعاصرة سواء في الشرق أو في الغرب أما مراجعة كتابات قسطنطين زريق وعمر فاخوري ومطاع صفدي؛ فإن ذلك كله لن يزيد الأمر إلا إحساسًا بالغربة وتجاوز الحقيقة الواقعة، فتلك