ويعتادون على تقاليدنا ولغتنا ولما يعودون إلى مصر يكون لنا منهم حزب يضم إليهم غيرهم كنت قد طلبت مرارًا جوقة تمثيلية وسأهتم اهتمامًا، خاصًا بإرسالها لك لأنها ضرورية للجيش وللبدء في تغيير تقاليد البلاد". ومضت السنون والاستشراق في عمل دائب وتدبير متماد. وتولى أمر مصر رجل كانت تركيا بعثته مع ٣٠٠ من الجند في أواخر الحملة الفرنسية هو محمد علي عام ١٨٠٥ م - ١٢٢٠ هـ وكان في الخامسة والثلاثين من عمره جاهلاً لم يتعلم قط شيئًا من العلوم وكان لا يقرأ ولا يكتب ولكنه استطاع خداع المشايخ والقادة الذين آثروا ولايته على ولاية المماليك الذين لم يستطيعوا التصدي والوقوف أمام حملة نابليون. لم يكن الاستشراق وبخاصة الفرنسي غافلاً عن هذا المغامر الجديد الذي صعد إلى حكم مصر فنرى أنه عندما قامت ولايته على الديار المصرية أحاطت به قناصل المسيحية الشمالية إحاطة كامله -والقناصل هم الاستشراق نفسه في صورته السياسية- فبدأوا يوغرون صدره على المشايخ والقادة الذين نصبوه واليًا على مصر ويخوفونه عاقبة سلطانهم على جماهير الأمة فاستجاب لطنينهم وغدر بالمشايخ والقادة الذين وقفوا بجانبه وكانت مذبحة القلعة وغيرها وبهذا ظفر الاستشراق بالمشايخ الكبار ومهد لعزل الأزهر ومشايخه عن قيادة الأمة بل استطاع أن يؤلب الدولة التركية على ما يحدث من يقظة إسلامية في قلب الجزيرة العربية على يد محمد بن عبد الوهاب فاستجابت دار الخلافة بغفلتها إلى هذا التأليب وأرسلت جيوش محمد علي لقتال المسلمين في الجزيرة العربية ووجدها محمد علي فرصة لتحقيق آماله في التوسع وبسط نفوذه على بلاد أخرى وبهذا أدرك الاستشراق وأدركت المسيحية الشمالية مأربًا من أكبر مآربها في وأد اليقظة التي كانت تهددهم بها دار الإسلام في جزيرة العرب التي كانت تخشى المسيحية الشمالية أن تنضم هذه اليقظة إلى اليقظة الكائنة في دار الإسلام في مصر فيومئذ لا يعلم غير الله ما تكون العواقب، وتم كل ذلك