أدنى رتبة من النبوة، فليست كل صوفي وليًا، كما أنه ليس كل ولي صوفيًّا، فكيف بالنبوة؟ ويوهم تفسير إقبال للنبوة المبيّن في "تجديد الفكر الديني" أنه يمكن التشرف بها بالكسب والاجتهاد، وذلك خطأ واضح، فإن الأنبياء قد وهبوا النبوة مفاجأة، مثل قصة سيدنا موسى عليه السلام، فإنه لم يكن على معرفة أن الله تعالى قد اختاره للنبوة حتى لحظة أن رأى نارًا في طور سيناء، وكلمه الله تعالى وأخبره باختياره نبيًّا، وكذلك سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يكن على معرفة من أنه سوف يُختار للنبوة حتى إذا نزل عليه الروح الأمين في جبل حراء، وألقى إليه رسالة الله تعالى، رجع إلى البيت وهو خائف، يقول: زمّلوني ودثّروني. فلو كان الوحي نوعًا من وعي يتحصل بقطع المدارج الصوفية وسلوك المناهج الروحية المعتادة لدى الصوفية، لما حدثت تلك المفاجأة عند نزول الوحي في أول الأمر، على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وسيدنا موسى عليه السلام. ففي هذا التفسير انخدع إقبال بآراء الصوفية الذين يفسرون النبوة والولاية بتفاسير ليس لها برهان منزل من الله تعالى، حتى قد اغتر بعضهم إلى حد أنه قال: إننا، معشر الصوفية أفضل من الأنبياء؛ لأن اتصالنا بالله تعالى مباشر واتصال الأنبياء به تعالى يحتاج إلى واسطة وهي الملائكة.
ثانيًا: أن إقبالاً لم يشرح في تفسيره كيفية نزول الوحي بواسطة الملائكة والروح الأمين، فإن الروح الأمين هو الذي يقوم بنقل الوحي إلى الأنبياء، ولم يشر إقبال في تفسيره إلى هذه المسألة مطلقًا.
ثالثًا: يوهم تفسير إقبال كأن النبوة عمل خاص للنبي وله فيه رغباته وتصرفاته وليس ذلك حقًّا، فإن النبيّ مأمور بأوامر الله تعالى، فإنه تعالى يربيه للتجرد إليه والعمل من أجل مرضاته حتى لم تعد للنبي رغبة ذاتية، ولو للهداية، فقد قال تعالى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[القصص: ٥٦].