للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحرية الكاملة (١).

ويرى إقبال كذلك أن العبد ينال الحرية والاختيار، متقربًا إلى الله تعالى بأداء الصلاة وامتثال أوامره تعالى. وقد أريد بتعيين مواقيت للصلاة في كل يوم تخليص النفس من آثار الآلية الموجودة في النوم والعمل. فالصلاة في الإسلام خلاص للنفس ينقذها من الآلية إلى الحرية (٢).

وأوضح إقبال وجهة نظره تجاه مسألة القضاء والقدر والاختيار والجبر ضمن شعره في عدة مواضع. منها ما قاله على لسان الحكيم المريخي ضمن ديوان جاويد نامه، حيث يتساءل: "زنده رود" (إقبال) الحكيم المريخي عن أن السائل والمحروم بقضاء الله وقدره، والحاكم والمحكوم بقضاء الله وقدره.

وليس من خالق للقدر سوى الله تعالى، فلا ينفع تدبير للخلاص من القدر ولا يغني منه حذر. فيردّ الحكيم المريخي عليه بقوله:

"إنك مخطئ تمامًا في فهم القدر. إن عليك لا أن ترضى فحسب بقدر الله، بل تطلب المزيد منه. فادع الله أن يحكم بقدر آخر إذا رمى قلبك بفعل قدر واحد، فإنك إذا طلبت. قدرًا جديدًا، كان ذلك أمرًا مشروعًا تمامًا، إذ لا نهاية لأقدار الله تعالى. حقًّا لقد فات أهل الأرض الشيء الكثير؛ لأنهم لم يعرفوا المعنى الدقيق للقدر، فأضاعوا بذلك قيمتهم الذاتية (نقود الذات) التي يمكنهم بها أن يتعاملوا مع الكون من ناحية ومع الخالق من ناحية أخرى.

فالقدر لا يعني أن يصبع الإنسان مجبرًا جبرًا خالصًا شأنه في ذلك شأن الجماد والنبات، فإن هذه السلبية طبيعة الفطرة الإنسانية.

أأقول لك سر القدر؟ إن هذا السر الدقيق تنطوي عليه جملة واحدة: إذا غيرت نفسك سيتغير هو الآخر، فلقد قال تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.


(١) انظر: "محمد إقبال" لمحمد الكناني (ص ٨٥).
(٢) "تجديد الفكر الديني" (ص ٩٤).