للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نصيحة لصاحب الدش وحكم طلب الزوجة الطلاق منه إذا رفض إزالة الدش]

السؤال

سائلة تقول: أنا امرأة ملتزمة -ولله الحمد- أريد أن أربي أولادي التربية الإسلامية الصحيحة، وزوجي هداه الله يوجد لديه دش -أعني: القنوات الفضائية وما يعرض فيها مما يستحى من ذكره- وزوجي يسمح لأولادي بمشاهدة هذا الدش حتى إن أولادي تغيرت أخلاقهم، وعندما نصحت زوجي بإخراج الدش من البيت ضربني ضرباً شديداً، وأنا أريد الطلاق منه فما رأيك يا فضيلة الشيخ؟

الجواب

أما الزوج فإني أوجه إليه نصيحة وأقول له: اتق الله في نفسك، واتق الله في أهلك، واعلم أنك مسئول عن هذا فقد قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:٦] هذا الخطاب الذي حملك الله تعالى أن تقي نفسك وأهلك النار سوف تسأل عنه يوم القيامة.

ثانياً: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته) فقد جعلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم راعياً على أهلك وحملك المسئولية، فكيف تجلب إليهم هذا الدش الذي لا أحد يشك فيما يعرض فيه من المنكرات العظيمة التي أفسدت العقائد والأفكار والأخلاق والآداب؟ كيف ترضى لنفسك بهذا ولأهلك بهذا.

ولا شك أن المرأة إذا كان ما ذكرته صحيحاً أنها على صواب، وأن الرجل ليس على صواب، بل إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (ما من عبد يسترعيه الله على رعية -أو قال: استرعاه الله على رعية- يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) نسأل الله العافية، ونحن نسأل وننظر هل ينطبق هذا الحديث على هؤلاء القوم.

أولاً نسأل: هل هذا الرجل استرعاه الله على رعية؟ وهل كونه يجلب هذه الآلة الخبيثة المدمرة للعقيدة والفكر والخلق والعمل؛ هل هو ناصح أو غاش؟ غاش، فإذا مات فإنه يدخل في الحديث، إن النبي عليه الصلاة والسلام جزم وعمم: (ما من عبد استرعاه الله على رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) .

ولكن يجب أن نعلم أننا نقول بهذا على سبيل العموم لا على سبيل الخصوص بمعنى: أننا لا نشهد لهذا الرجل المعين الذي أتى بالدش ومكن أهله مما فيه لا نقول: هو نفسه لا يدخل الجنة؛ لأننا لا ندري، ربما يتوب، ربما يكون له حسنات عظيمة تمحو هذه السيئات، ربما يعفو الله عنه، لكن على سبيل العموم لا إشكال في أننا نجزم بما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام، ويجب علينا أن نجزم بما قال الرسول، ولكن هناك فرق بين التعيين وبين التعميم، لذلك لو مات الإنسان وهو جالب لأهله هذه الآلة الخبيثة فلا يجوز أن نقول لأهله: إن صاحبكم قد حرم الله عليه الجنة لماذا؟ لأننا لا نعين على أحد لا عذاباً ولا نعيماً إلا ما عينه الرسول عليه الصلاة والسلام.

كما أننا لو رأينا شخصاً جلداً شجاعاً مقداماً يقاتل الأعداء ثم قتل في الصف هل نقول: إنه شهيد؟ لا نقول: إنه شهيد، مع أن فعله ظاهره أنه شهيد، لكن لا نقول: إنه شهيد؛ لأننا لا ندري، والمدار على ما في القلب، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما من مكلوم يكلم في سبيل الله (والله أعلم) بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك) فقال: والله أعلم، نحن لا ندري، ربما يكون عند آخر لحظة حصل له ما يبطل هذا العمل، وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه على هذا فقال: باب لا يقال فلان شهيد.

فالخير والشر -يعني: العقوبة والمثوبة- كلها لا نشهد للشخص المعين، لكن نشهد على سبيل العموم، فيجب أن تلاحظوا هذا، ولهذا صدر منا خطبة بينا فيها أن من خلف لأهله هذه الآلة الخبيثة فإنه يُحرَم من دخول الجنة، لكن لا نقول: فلان ابن فلان يحرم ولو خلف لأهله، ولما رأينا بعض الناس استغرق في هذا الشيء، وخفنا أن الناس يُعيّر بعضهم بعضاً، يصير كل واحد يأتي لشخص يكون خلف الدش يقول: أبوك حرام عليه الجنة.

ويحصل في هذا شيء من الفتنة، قلنا: إن من فعل ذلك فإنه يخشى أن ينطبق عليه الوعيد.

وهذا ليس تغييراً للفتوى، فمن حيث الحكم ما تغيرت، لكنها تغيرت من ناحية اللفظ خوفاً من أن يتوهم الناس فيها معنى فاسداً.

وأرى: أن لها أن تطلب الطلاق، ولكن يجب أن تتأمل ماذا يحدث بعد الطلاق وهي لها أولاد، فربما يحصل تفرق الأولاد، وربما يحصل أن الزوج يتسلط على الأولاد ويأخذهم، وتحصل مطالبات ومنازعات، فأرى أن تصبر وتحتسب، وهي إذا حصلت المعصية بدون رضا منها فليس عليها إثم.