للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المثابرة في طلب العلم والمصابرة عليه]

ومما ينبغي لطالب العلم إذا كان يريد العلم حقيقة: أن يثابر على العلم، أي: يداوم عليه ويصبر ولا يمل؛ لأن العلم صعب، والعلم إن أعطيته كلك أدركت بعضه، وإن أعطيته بعضك لم تدرك منه شيئاً، فاجتهد في المراجعة، واجتهد في المناقشة مع إخوانك بنية الوصول إلى الحق، اجتهد في تعاهد ما حفظت من العلم، وإذا قرأت تاريخ العلماء رحمهم الله تعجبت: كيف كانوا يصبرون هذا الصبر على طلب العلم؟! مع أنه ليس هناك كهرباء، ولا أدوات كتابية سهلة، الأشياء في ذلك الوقت كانت صعبة، ومع ذلك كانوا يبقون كل الليل يراجعون على قنديل يكادون لا يبصرون ما يقرءون، لكنهم جادون؛ لأنهم يعلمون أنهم في جدهم وطلبهم للعلم كالمجاهدين في سبيل الله عز وجل، ليس عملاً ضائعاً بل هو كالجهاد في سبيل الله، واسمع إلى قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً} [التوبة:١٢٢] (ينفروا) أي: في الجهاد، (كافة) لا يمكن هذا؛ لأنه لو نفروا كافةً في الجهاد لتعطلت شعائر الإسلام، فلهذا قال: {فَلَوْلا نَفَرَ} [التوبة:١٢٢] ومعنى (لولا) : هلَّا: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة:١٢٢] أي: وقعدت طائفة {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة:١٢٢] من الذين يتفقهون في الدين: النافرون أم القاعدون؟ القاعدون {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:١٢٢] فانظر كيف جعل الله التفرغ لطلب العلم معادلاً للجهاد في سبيل الله.

إذاً: أنت يا طالب العلم مجاهد في سبيل الله، وحاجة الناس إلى العلم أشد من حاجتهم إلى الجهاد؛ لأن الجهاد في ناحية خاصة وعمل خاص، لكن العلم في كل نواحي الحياة، العلم يعرف الإنسان بعقيدته في ربه عز وجل يعرف كيف يتطهر، وكيف يتوضأ، وكيف يصلي، وكيف يزكي، وكيف يصوم، وكيف يحج، وكيف يجاهد.

والعلماء هم ورثة الأنبياء، وذلك في العبادة والخلُق والمعاملة والدعوة، إذا قاموا بهذا فقد ورثوا الأنبياء، أما العالم الذي لا يعمل بعلمه فليس بوارث للأنبياء، ولكن اعلم أنك ربما تطلب العلم وتتساهل في العمل به، لكن كلما طلبت العلم ازددت رغبةً فيما عند الله وحينئذٍ تعمل بالعلم، ولهذا قال بعض أهل العلم: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله.

سبحان الله! فالعلم الشرعي كله خير، فاعمل به تفز بربحه.