فإننا نشكر الله سبحانه وتعالى على ما منَّ به على هذه المنطقة من السيول التي كانت، والتي نرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون صيباً نافعاً ينفع الله به البلاد والعباد، هذه الأمطار التي يرسلها الله عز وجل على العباد تسير -بإذن الله- سيراً حثيثاً أو بطيئاًَ على حسب ما تقتضيه حكمة الله عز وجل، وليس بخافٍ علينا ما جرى في قصة الرجل الذي سمع صوتاً من السحاب يقول: اسق حديقة فلان -حديقته أي: بستانه- لما سمع هذا الصوت تعجب! كيف يؤمر السحاب أن يسقي حديقة فلان؟! فجاء يتبع السحاب حتى أمطرت في أرضٍ انبعث منها وادٍ صب في هذه الحديقة فأرواها، فقال الرجل الذي سمع الصوت لصاحب الحديقة: ما الذي تصنع في حديقتك؟ قال له: ما شأنك بها؟ قال: إني سمعت صوتاً من السحاب يقول: اسق حديقة فلان -لحديقتك هذه- فقال: أما وقد قلت هذا، فإنني أقسمها أثلاثاً، ثلث أجعله في نفقتها، وثلث نفقة لي ولأهلي، وثلث أتصدق به، فانظر كيف كان سقي هذه الحديقة بإرادة الله عز وجل.
ومما يدل على ذلك أيضاً ما ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل رجل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب، فقال:(يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يديه وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا -ثلاث مرات، ما زاد على ذلك- قال أنس: فوالله ما في السماء من سحاب ولا قزعة -أي: أن السماء صحو ليس فيها سحاب واسع، ولا قزعة وهي قطعة السحاب- وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار -وسلع جبل معروف في المدينة يأتي السحاب من جهته- قال: فأنشأ الله سحابة من روائه مثل الترس -أي: كالتبس الكبير- فارتفعت في السماء، فلما توسطت السماء انتشرت ورعدت وبرقت، وأمطرت فما نزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته) سبحان الله! {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[يس:٨٢] .
ثم إن المطر استمر أسبوعاً كاملاً، فجاء رجل من الجمعة الثانية، أو الرجل الأول وقال:(يا رسول الله! تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله أن يمسكها عنا) فدعا النبي صلى الله عليه وسلم لكنه لم يقل: اللهم أمسكها عنا، وإنما دعا بما فيه حصول الخير واندفاع الضرر، قال:(اللهم حوالينا ولا علينا، وجعل يشير بيده إلى النواحي فما أشار إلى ناحية إلا انفرجت بإذن الله) إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدبر السحاب، ولكن الذي يدبره هو الله عز وجل، (فدعا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ربه: اللهم حوالينا ولا علينا، فانفرج السحاب وخرج الناس يمشون في الشمس، قال: حوالينا ولا علينا، اللهم على الضراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر) .
وإذا كان الله تعالى هو الذي ينزل الغيث، فإن الواجب علينا أن نعترف له بقلوبنا وألسنتنا بالشكر، وأنه المنعم حقاً، وأن نقوم بطاعته بجوارحنا، لأن الشكر هو القيام بطاعة المنعم.