[إزالة الإشكال بين حديثين: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة) و (فيما يبدو للناس.]
السؤال
فضيلة الشيخ: حديثان ظاهرهما فيه إشكال: حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث طويل في آخره: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) إلى آخر الحديث.
وحديث أبي هريرة الذي فيه: (فيما يبدو للناس) .
فنجمع بين الحديثين حتى يزول الإشكال قلنا: إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس حتى ما يكون بينه بينها إذا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، فهل معنى ذلك: أن كل من عمل عملاً صالحاً وكان لله خالصاً دخل الجنة، لأننا قلنا فيما يبدو للناس فيسبق عليه الكتاب، فهل معنى ذلك: أنه إذا عمل العمل لله أنه يدخل الجنة بعمله، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: حتى أنت يا رسول الله، قال: حتى أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) .
أرجو أن تبين لي وتوضح كيف حلَّ هذا الإشكال؟
الجواب
قبل أن نحل هذا الإشكال المعين، يجب أن نعلم أنه ليس في كتاب الله تناقض، وليس في السنة التي تصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام تناقض، وليس بين الكتاب وبين السنة الصحيحة تناقض، هذه ثلاثة أمور، هذا أمر مستحيل، فإن رأيت ما يوهم التناقض فهذا إما لنقصان علمك، وإما لقصور فهمك، وإما لسوء إرادتك وأنك لا تريد الحق ولكن تريد أن تجمع النصوص المتشابهة لتشكك نفسك وتشكك عباد الله، فالغالب أن من هذه نيته لا يفتح الله عليه، وهذه قاعدة يجب أن تكون دائماً على ذكرك، فإن عجزت فقل: الله أعلم، {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران:٧] .
أما بالنسبة للأحاديث التي أوردها فنقول: إن حديث ابن مسعود: (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) أي: بين الجنة، ليس المراد أن عمله أوصله إلى هذا المكان حتى لم يبق إلا ذراع، لأنه لو كان عمله عمل أهل الجنة حقيقة من أول الأمر ما خذله الله عز وجل؛ لأن الله أكرم من عبده، عبد مقبل على الله ما بقي عليه والجنة إلا ذراع يصده الله؟! هذا مستحيل، لكن المعنى: يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس حتى إذا لم يبق على أجله إلا القليل زاغ قلبه والعياذ بالله -نسأل الله العافية- هذا معنى حديث ابن مسعود.
إذاً: لم يبق بينه وبين الجنة إلا ذراع بالنسبة لأجله، وإلا فهو من الأصل ما عمل عمل أهل الجنة -نعوذ بالله من ذلك، نسأل الله ألا يزيغ قلوبنا- عامل وفي قلبه سريرة خبيثة أودت به إلى أنه لم يبق إلا ذراع ويموت هلك.
وأما قوله: (بعمله) فنعم العمل سبب من الأسباب، جعله الله تعالى سبباً لدخول الجنة إذا كان العمل صالحاً.
وسبباً لدخول النار إذا كان العمل سيئاً، كما أن الزواج سبب للولد، فالعمل الصالح جعله الله سبباً لدخول الجنة وليس عوضاً، لو أراد الله أن يعاوض الإنسان بعمله لأفلس، عملك الصالح الآن أنت مدين به لله، كيف؟ من الذي وفقك للعمل الصالح؟ الله، إذاً له حق عليك، ولهذا قيل:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة عليَّ له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واتصل العمر