الشيء الثالث: الكسوف الذي حدث في آخر ليلة الجمعة قبل الماضية، حدث الكسوف بعد طلوع الفجر، فاختلف الناس هل يصلون أو لا يصلون؟ وذلك لأن العلماء رحمهم الله اختلفوا في هذه المسألة فمنهم من قال: إذا طلع الفجر فإنه لا يصلى صلاة الخسوف، يعني: لو كسف القمر بعد طلوع الفجر ولو قبل الصلاة لا تصلى بناءً على أن هذا وقت نهي والنهي لا تصلى فيه صلاة الخسوف، لكن هذا القول ضعيف، والصواب أنها تصلى صلاة الخسوف -خسوف القمر- ولو كان ذلك بعد طلوع الفجر، إلا إذا انتشر ضوء النهار حتى غطى على ضوء القمر لو كان صاحياً فحينئذٍ لا يصلى؛ لأن القمر زال سلطانه والانتفاع به، وقد جعل الله تعالى القمر آية ليلية، فقال تعالى:{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً}[الإسراء:١٢] قال مجاهد وغيره: آية الليل هي القمر، وإذا انتشر ضوء النهار ما بقي آية؛ لأنه زال سلطانه فحينئذٍ لا يصلى.
أما ما دام ظلام الليل غالباً على ضوء النهار وخسف القمر فإنه يصلى ولا نهي عن صلاة الكسوف، وصلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان، يطول القراءة الأولى التي قبل الركوع الأول ثم الثانية أقصر منها ثم القراءة في الركعة الثانية أقصر من القراءة الأولى وهكذا، ركعتان فيهما أربعة ركوعات وأربع سجدات، هكذا صلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
كسفت الشمس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في التاسع والعشرين من شوال عام عشر من الهجرة بعد أن ارتفعت؛ كسفت كسوفاً كلياً حتى صارت كأنها قطعة نحاس، وفزع الناس لذلك حتى النبي عليه الصلاة والسلام قام فزعاً؛ حتى إنه لحق بردائه وخشي أن تكون الساعة؛ لأن الشمس إذا كسفت كسوفاً كلياً أظلم الجو وأمر أن ينادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس وصلى بهم الصلاة التي سمعتم عنها، في هذه الصلاة أطال القراءة إطالة طويلة حتى إن بعض الصحابة يسقط مغشياً عليه من طول القيام، وفي مقامه عرضت عليه الجنة وعرضت عليه النار، قال:(ولم أر كاليوم قط أفظع) يعني: رأى شيئاً فظيعاً صلوات الله وسلامه عليه، ولما انتهت الصلاة وقد تجلت الشمس خطب الناس خطبةً بليغةً عظيمةً جداً، خطبهم قائماً لكن لم يرد أنه صعد على المنبر، ولكنه خطب قائماً صلوات الله وسلامه عليه، كان هذا اليوم هو اليوم الذي مات فيه إبراهيم رضي الله عنه ابن محمد صلى الله عليه وسلم، وكان هذا الابن من مارية القبطية، يعني: ليس من حرة، وكان صلى الله عليه وسلم يحبه، ومات وله ستة عشر شهراً، وكان له مرضع في الجنة، ولما مات بكى عليه الصلاة والسلام وقال:(العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون) في هذا اليوم كسفت الشمس، فقال الناس: كسفت لموت إبراهيم؛ لأنهم جهال، فيظنون أن كسوف الشمس يعني موت عظيم، أو القمر إذا خسف فيعني موت عظيم، فأعلن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، وما الحوادث في الأرض حتى تؤثر في أجواء السماء؟ الأرض لا تؤثر في السماء، لكن السماء تؤثر في الأرض بالقواصف والصواعق والبرد وغير ذلك، أما الأرض حوادثها لا تؤثر في السماء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان يخوف الله بهما عباده) نسأل الله أن يعاملنا جميعاً بعفوه.
إذا نظرنا إلى حالتنا اليوم وجدنا أن كثيراً من المسلمين على وجه غير مرضي: يضيعون الصلاة، ويتبعون الشهوات، ويقرون المنكر ولا يتناهون عنه، ويجهلون المعروف أو ينكرون المعروف، ولذلك {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الروم:٤١] أسأل الله أن يوقظنا وإياكم بآياته، وأن يعفو عنا ويغفر لنا ويعيننا على طاعته.