للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استغلال الإجازة في زيارة الحرمين الشريفين]

منهم: من يذهب إلى الحرمين: النبوي والمكي؛ ليقضي الإجازة هناك مع أهله وفي أشرف بقاع الله، فالصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام، والصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، فيغتنمون هذه الفرصة ويغتنمون -أيضاً- فرصة أخرى وهي الدفء؛ لأن الحرمين ولا سيما مكة أشد دفئاً من نجد كما هو مشاهد معلوم، فيغتنمون هذه الفرصة، وهؤلاء ماذا يلزمهم إذا ذهبوا هذا المذهب ونحوا هذا المنحى؟ نقول: أيهما تريد البراءة به: أبـ مكة أم بـ المدينة؟ والجواب على هذا السؤال ينبني على أيهما أفضل: العمرة أو زيارة المسجد النبوي؟

الجواب

العمرة أفضل من زيارة المسجد النبوي وعلى هذا فالقاعدة أن نبدأ بالأفضل قبل المفضول، نبدأ بالعمرة ثم بالزيارة -زيارة االمسجد النبوي- ولكن قد لا يتسهل للإنسان أن يبدأ بالعمرة قبل زيارة المسجد النبوي من حيث الطريق، قد يقول: إن طريق المدينة أسهل علي إذا كنت في القصيم، والإنسان مطلوب في حقه أن يتبع الأسهل، وسوف أحصل العمرة لكن في ثاني الحال.

فنقول: إن الأمر واسع إن بدأت بهذا أو بهذا، ولكن ينبغي أن نعلم أحكاماً في العمرة وأحكاماً في الزيارة.

العمرة: يحرم الإنسان بها من الميقات إن كان عن طريق الطائف فمن قرن المنازل الذي يسمى الآن: (السيل الكبير) وإن كان من طريق المدينة فمن ذي الحليفة، الذي يسمى الآن: (أبيار علي) وعند الإحرام يسن للإنسان أن يغتسل حتى المرأة الحائض والنفساء؛ لأن أسماء بنت عميس زوج أبي بكر رضي الله عنهما نفست في ذي الحليفة فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ماذا أصنع؟ قال: (اغتسلي واستثفري بثوبٍ وأحرمي) فالاغتسال سنة للرجال والنساء عند إرادة الإحرام، وليس بواجب لو تركه الإنسان فلا إثم عليه ولا فدية عليه، لكنه أفضل وأكمل، ثم يلبس الرجل إزاراً ورداءً أبيضين نظيفين أو جديدين.

أما المرأة فليس لها ثياب معينة في الإحرام، تلبس ما شاءت إلا أنها لا تتبرج بالزينة؛ لأنها منهية عن التبرج بالزينة، ثم يتطيب الرجل بما طاب ريحه، والمرأة بما حسن لونه دون ريحه؛ لأن رائحة الطيب في المرأة فتنة ورائحة الطيب في الرجل سنة، يتطيب الرجل فيضع الطيب على رأسه وعلى لحيته بعد أن يغتسل ثم يلبس ثياب الإحرام.

وبعد هذا: هل يصلي ركعتين للإحرام -كما هو مشهور- أم لا يُصلي؟ جواباً على هذا أن نقول: ليس للإحرام سنة، إنما السنة للوضوء، ولكن إن كنت قريباً من وقت الفريضة فاجعل الإحرام بعد الفريضة، مثلاً: لو أنك وصلت الميقات وقت الضحى واغتسلت وتطيبت، وليس عندك نية أن تمشي قبل الظهر، فاجعل الإحرام بعد صلاة الظهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بعد صلاة فرض وإذا صليت تلبي للعمرة، تقول: لبيك عمرة، لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.

ولكن هل تشترط فتقول: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني أم لا تشترط؟ الجواب: الأفضل ألا تشترط واعتمد على الله، إلا إذا خفت أن يحدث لك مانع من إتمام النسك فاشترط، ومن ذلك لو خافت المرأة أن تحيض في أثناء النسك ولا تطهر قبل أن تسافر، ففي هذا الحال ينبغي لها أن تشترط فتقول: (إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني) من أجل إنها إذا حاضت تحللت من الإحرام ولا شيء عليها.

وتسير متجهاً إلى مكة وتكثر من التلبية، فإذا وصلت المسجد الحرام وشرعت في الطواف فاقطع التلبية، وفي هذا الطواف يسن للرجل أن يفعل شيئين: الأول: الاضطباع.

الثاني: الرمل.

فالاضطباع: أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، وهذا الاضطباع لا يسن إلا في الطواف.

كثيراً من العوام من حين أن يحرم يضطبع.

وهذا بدعة، فالاضطباع إنما يكون في الطواف فقط وهذا سنة للرجال، والمرأة لا تضطبع؛ لأن ثيابها ثياب معتادة.

يسن له أن يرمل ولكن الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط لا في كل الطواف، والرمل: أن نسرع في المشي بدون أن نمد الخطا -أي: تكون متقاربة ويسرع- وبدون أن يهزكتفيه؛ لأننا نشاهد بعض الناس في الرمل يمشي ولكن يهز الكتفين، والرمل يكون في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، أما بقية الأشواط الأربعة الباقية فإنه لا رمل فيها.

مسألة: بماذا يبتدأ الطواف؟ الجواب: يبتدأ بالحجر الأسود، وقد وضعت الحكومة وفقها الله خطاً بُنياً يمتد من قلب الحجر الأسود إلى منتهى المطاف، فهذا هو مبتدأ الطواف، تستقبل الحجر وتشير إليه، وتقول: (باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم) .

وإن تمكنت أن تصل إلى الحجر بدون مشقة عليك ولا على غيرك وتمسحه وتقبله فهذا أفضل، فإن لم تستطع التقبيل فامسحه بيدك وقبل يدك، فإن لم تستطع فأشر إليه إشارة، هذا هو السنة وليس من السنة أن تزاحم.

أما في بقية الطواف فتقول ما شئت من ذكرٍ ودعاء وقرآن إلا ما بين الركن اليماني والحجر الأسود فإنك تقول: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) وتقتصر على ذلك، وأما الذين يقولون: وأدخلنا الجنة مع الأبرار، فهذه زيادة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

مسألة: الركن اليماني: هل يفعل فيه كما يفعل في الحجر الأسود، من التقبيل والاستلام والإشارة عند التزاحم؟ الجواب: لا.

الركن اليماني يستلم فقط، يمسح باليد اليمنى ولا يقبل ولا يشار إليه إذا لم يمكن استلامه.

مسألة: الركن الغربي والركن الشمالي هل يمسحان؟ الجواب: لا يمسحان، لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم، كانت الكعبة أطول من هذا نحو الشمال، تستوعب من الحجر نحو ستة أذرع ونصف، لكن لما انهدمت في عهد قريش في الجاهلية قالوا: لا تبنوا الكعبة إلا من مال حلال طيب، كفار جهال يقولون: لا تبنوا الكعبة إلا بمال طيب، وهذا من حماية الله للكعبة، أي: لا تبنوه من الربا ولا من الميسر ولا من الظلم، لا تبنوه إلا بمال طيب، اتفقوا على هذا، فلما شرعوا في البناء وجدوا أن النفقة لا تكفي، فماذا صنعوا؟ قالوا: نبني بعض البيت (ما لا يدرك كله لا يترك جله) ابنوا بعض البيت، ومن أي جهة يكون النقص؟ قالوا: من الجهة الشمالية التي ليس فيها الحجر، لا يمكن أن يكون النقص في الجهة التي فيها الحجر، ففعلوا ذلك فبنوا الكعبة على ما هي عليه، وضعوا حائطاً يسمى: الحجر، ويسمى: الحطيم من أجل أن يكمل الناس الطواف وبقيت الكعبة على هذا، فلما فتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة قال لـ عائشة: (لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم، ولجعلت لها بابين: باباً يدخل منه الناس وباباً يخرج منه الناس) ولكنه ترك ذلك صلى الله عليه وآله وسلم تأليفاً لأصحابه حتى لا ينفروا ويقولوا: هذا أحدث في بيت الله ما أحدث.

ولكني أقول لكم: إنه من نعمة الله وفضل الله أن ما أراده النبي صلى الله عليه وسلم حصل بالمعنى، الآن الكعبة لها بابان: باب يدخل منه الناس وباب يخرج منه الناس كيف؟ الحجر من الكعبة وفيه باب يدخل منه الناس وباب يخرج من الناس مع الهواء الطلق، أرأيتم لو كانت مسقوفة ولها بابان، باب يدخل منه الناس وباب يخرجون منه ماذا يكون؟ يكون هلاك، نشاهد عند الجمرات مع الهواء الطلق يموت الناس بالتزاحم فكيف بالكعبة وهي مسقوفة، لكن من نعمة الله وتحصيل مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن جعل البناء على هذا الذي هو عليه الآن.

ولما تولى ابن الزبير رضي الله عنه الحجاز هدم الكعبة وبناها على قواعد إبراهيم بناءً على ما حدثت به خالته عائشة وجعل لها بابين، فلما تولى بنو أمية وقتل ابن الزبير رضي الله عنه على يد الحجاج بن يوسف الثقفي ردها الحجاج وبناها على ما كانت عليه في عهد الجاهلية وبقيت على ما كانت عليه اليوم، ولما تولى الرشيد أراد أن يهدمها ويبنيها على قواعد إبراهيم، فأشار عليه مالك بن أنس رحمه الله وقال له: [لا تجعل بيت الله ملعبة للملوك كلما تولى ملك هدم وبناه على غير البناء السابق] فتركه وبقي إلى الآن.

نرجع عوداً على بدء إلى الطواف إذا أتم الإنسان سبعة أشواط فإنه يتقدم إلى مقام إبراهيم عليه السلام يتلو قول الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:١٢٥] فيصلي فيه ركعتين، هاتان الركعتان تتميزان بأنهما خفيفتان لا يطيل فيهما، السنة أن يخفف ويقرأ فيهما بـ (قل: يا أيها الكافرون) مع الفاتحة في الركعة الأولى، وبـ (قل هو الله أحد) في الركعة الثانية مع الفاتحة، ثم ينصرف ولا يدعو بعدهما متجهاً إلى المسعى، فإذا دنا من الصفا فليقرأ قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:١٥٨] (أبدأ بما بدأ الله به) كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

مسألة: متى يقرؤها؟ الجواب: إذا صعد الصفا أو دنا منه قبل أن يصعد يقرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:١٥٨] ولا يعيدها مرة ثانية، لا تقرأ عند المروة ولا تقرأ عند الصفا في المرة الثانية لا تقرأ إلا مرة واحدة إذا دنا من الصفا أول مرة، فإن هذه هي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فإذا صعد الصفا اتجه إلى القبلة ورفع يديه يدعو ولكنه يكبر ثلاثاً قبل الدعاء ويحمد الله ويقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إل