[ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف]
ولما انتهى من الصلاة قام وخطب الناس خطبةً عظيمةً بليغة، وبين عليه الصلاة والسلام أن الجنة عرضت عليه، والنار عرضت عليه، وأنه تقدم إلى الجنة ليأخذ منها عنقوداً قال:(ولو أخذت لأكلتم منه ما بقيت الدنيا) ولكن الله سبحانه وتعالى صرف همته عنه وبدا له ألا يأخذ شيئاً.
ثم عرضت عليه النار وتأخر حتى كاد يبلغ الصف خوفاً من لفحها، ورأى فيها من يعذب، رأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يعذب يجر قصبه في النار، ما هي القصب؟ الأمعاء، يجرها في النار؛ لأنه أول من أدخل الشرك وسيب السوائب في جزيرة العرب.
ورأى فيها صاحب المحجن وهو رجل يسرق الحجاج بمحجنه، يأخذ متاع الحاج ويجذبه حتى يسقط من البعير، فإن فطن له الناس قال: علق بالمحجن -أي: هو لم يتقصد- وإن لم يفطنوا له أخذه ومشى، رآه يعذب في النار.
ورأى أيضاً امرأةً عذبت في هرة حبستها، لا هي أطعمتها حين حبستها، ولا هي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض، فعذبت بسبب هذه الهرة انظر تعذيب الحيوان يعذب عليه الإنسان، والإحسان إلى الحيوان يثاب عليه الإنسان، امرأة بغي زانية مرَّ بها كلب يأكل الثرى من العطش، ما هو الثرى؟ التراب الرطب، يأكله من العطش، فنزلت وأخرجت ماءً بخفها وأسقته الكلب فغفر الله لها.
قالوا:(يا رسول الله! ألنا في البهائم أجراً؟ قال: نعم، في كل ذات كبد حراء أجر) الله أكبر! أنت الآن إذا أطعمت الشاة من العلف وسقيتها من الماء تنمي مالك، والمصلحة لك، ومع ذلك لك أجر عند الله، أنت إذا أطعمت أهلك تبتغي بذلك وجه الله أثابك الله على ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ سعد بن أبي وقاص:(إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعله في فم امرأتك) .
هذه صفة صلاة الكسوف، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته إذا رأوا الكسوف أن يفزعوا إلى الصلاة والدعاء والذكر والتكبير والاستغفار والصدقة والعتق، من أجل أن يندفع الشر الذي انعقدت أسبابه، والكسوف نفسه ليس هو عذاب لكنه منذر بعذاب، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:(يخوف الله بهما عباده) ولم يقل: يعاقب الله بهما عباده، تخويف، فالأمر عظيم، يجب الفزع له، ولهذا كان أرجح أقوال العلماء: أن صلاة الكسوف فرض كفاية، لا بد أن تقام في البلد.