[حكم بيع الأعضاء وعمليات التجميل]
السؤال
فضيلة الشيخ: نحن الأطباء نعاني من شيئين آمل منكم الإجابة: أولاً: يطلب منا في بعض الأحيان أن نقنع ولي أمر المريض المتوفى دماغياً بالتبرع بأعضائه، فهل ذلك جائز؟ وهل التبرع بالأعضاء جائز؟ ثانياً: يطلب منا كذلك عمل بعض العمليات التجميلية كتعديل الأنف، شفط الدهون، تصغير أو تكبير الثديين.
إلخ، فما حكم هذه العمليات؟ وما الضابط وفقك الله وجزاك خيراً ونفع بك؟
الجواب
أما الأول -وهو التبرع بأعضاء الميت- فهذا حرام ولا يجوز؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل جسم الإنسان أمانة عنده، فقال عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء:٢٩] ولا فرق في التبرع بالأعضاء بين الحياة والموت، بمعنى: أن الحي لا يجوز أن يتبرع بشيء من أعضائه وأن الميت لا يجوز أن يتبرع بشيء من أعضائه، وأولياؤه ليس لهم الحق بالتبرع في شيء من أعضائه بعد وفاته، لأن الأولياء يرثون المال، أما أعضاء الميت فهي محترمة، حتى لو سمح الورثة أن تقطع أعضاء الميت للتبرع بها فإنه لا يجوز، بل قال الفقهاء رحمهم الله في كتبهم في كتاب الجنائز: لا يجوز أن يؤخذ شيء من أعضائه ولو أوصى به، حتى لو أوصى المريض بأن يؤخذ شيء من أعضائه فإنه لا يجوز تنفيذه؛ لأن جسم الإنسان أمانة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كسر عظم الميت ككسره حياً) فكما أنه لا يجوز أن تكسر عظم الحي فلا يجوز أن تكسر عظم الميت.
وما أكثر الفساد الذي حصل من أجل التبرع بالأعضاء، سمعنا في بلاد أنهم يأتون إلى الصبيان في الأسواق ثم يخطفونهم ويذبحونهم، ويبادرون بأخذ الأكباد وأخذ الكلى، يبيعونها، سباع! فلذلك نرى أن هذا حرام، لا يجوز ولو أوصى به الميت، وإذا لم يوص به فهو أشد، حتى الحي لا يجوز أن يتبرع، لو أن ابنك أو أباك أو أخاك أو أختك احتاجت إلى كلية فلا يجوز أن تتبرع بكليتك له، حرام عليك؛ أولاً: لأنها قد تزرع الكلية التي أخذت من موضعها إلى موضع آخر فقد تنجح وقد لا تنجح، حتى وإن غلب على الظن النجاح فهو جائز ألا تنجح، وأنت الآن ارتكبت مفسدة وهي إخراج هذه الكلية من مقرها الذي أقرها الله فيه إلى موضع قد ينجح وقد لا ينجح، وإذا غلب النجاح فالمفسدة محققة.
ثانياً: أعندك علم بأن الكلية باقية ستستمر سليمة إلى أن تموت؟ لا، ربما تمرض الكلية الباقية، فإذا مرضت فلا شيء يعوض، فتكون أنت سبباً لقتل نفسك، وعلى هذا فلا يجوز التبرع بالكلى مطلقاً، ولا بالكبد مطلقاً، ولا بأي عظم مطلقاً، لا في الحياة ولا بعد الممات.
طيب فإذا قال قائل: فالدم؟ قلنا: الدم لا بأس بالتبرع به عند الحاجة بشرط ألا يحصل على المتبرع ضرر، والفرق بين الدم والعضو أن الدم يأتي خلَفه والعضو لا يأتي خلَفه، الدم بمجرد ما ينتهي أخذ الدم منه يعطى غذاءً ويرجع الدم بإذن الله عز وجل، لكن العضو إذا فقد لا يرجع.
أما موضع التجميل الذي ذكر، فالتجميل نوعان: النوع الأول: إزالة عيب.
والنوع الثاني: زيادة تحسين.
أما الأول فجائز -إزالة العيب- فلو كان الإنسان أنفه مائل فيجوز أن يقوم بعملية لتعديله؛ لأن هذا إزالة عيب، الأنف ليس طبيعياً بل هو مائل فيريد أن يعدله، كذلك رجل أحول، الحول عيب بلا شك، لو أراد الإنسان أن يعمل عملية لتعديل العيب يجوز أو لا يجوز؟ يجوز، ولا مانع، لأن هذا إزالة عيب.
لو قطع أنف الإنسان لحادث هل يجوز أن يركب أنفاً بدله؟ يجوز؛ لأن هذا إزالة عيب، وقد وقعت هذه الحادثة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، قطع أنف أحد الصحابة في حرب من الحروب، فالرجل جعل عليه أنفاً من فضة، ركبه على الأنف، فأنتنت الفضة، الفضة تنتن، صار لها رائحة كريهة، فأذن له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب فاتخذ أنفاً من ذهب، إذاً هذا نقول: تجميل أو إزالة عيب؟ إزالة عيب، هذا جائز.
كذلك لو أن الشفة انشرمت، فيجوز أن نصل بعضها ببعض لأن هذا إزالة عيب.
أما النوع الثاني: فهو زيادة تحسين، هذا هو الذي لا يجوز؛ ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتفلجات للحسن، بمعنى: أن تبرد أسنانها حتى تتفلج وتتوسع للحسن، لعن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك، ولعن الواصلة التي تصل شعرها القصير بشعر وما أشبه ذلك.
بقي أن ننظر العملية لتكبير الثدي أو لتصغيره يجوز أو لا يجوز؟ هذا تحسين، إلا إذا كانت المرأة الصغيرة الثدي تريد أن يكبر لأجل أن يتسع للبن، يعني: بحيث يكون ثديها صغيراً لا يروي ولدها، فهذا ربما نقول: أنه لا بأس به، أما للتجميل فإنه لا يجوز.
فهذا هو الضابط يا أخي الطبيب لمسألة التحسين، التحسين إذاً كم؟ نوعان: الأول: لإزالة عيب وهذا لا بأس به، والثاني: لزيادة تجميل فهذا لا يجوز.