[سعيه عليه الصلاة والسلام ونزوله بالأبطح والدفع إلى منى]
الوقفة الرابعة: عند السعي، إن النبي صلى الله عليه وسلم لما دنا من الصفا قرأ:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}[البقرة:١٥٨]-أي: لما دنا قل أن يصعد- (أبدأ بما بدأ الله به) فبدأ بـ الصفا.
صعد الصفا، وماذا صنع حين صعوده؟ رفع يديه حين رأى البيت وكبر ثلاثاً، وقال:(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده) كرر هذا ثلاث مرات يدعو فيما بين المرة الأولى والثانية، وفيما بين المرة الثانية والثالثة، وبعد الثالثة نزل متجهاً إلى المروة، في أثناء السعي مر بالوادي، الوادي (مجرى السيل) وكان في ذلك الوقت بيناً واضحاً، بطن الوادي عادة يكون منخفضاً، فلما انخفض سعى سعياً شديداً أي: ركض حتى إن إزاره لتدور به من شدة السعي، ولما صعد الوادي مشى عادةً وفعل على المروة كما فعل على الصفا، ولم يكرر الآية:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}[البقرة:١٥٨] لأنها ليست من ذكر المسعى، إنما قالها حينما دنا من الصفا قبل أن يدخل في السعي.
مسألة: الوقوف عند السعي ليس بكثير؛ لأن ما لا شيء يستلم ولا يقبل ولا يشار إليه، إنما هو أشواط معروفة يبتدئها بـ الصفا ويختمها بـ المروة.
ماذا صنع بعد السعي؟ أمر من لم يكن معه هدي أن يجعل إحرامه عمرة ويحل، قالوا:(يا رسول الله! نحل وقد سمينا الحج -أي: لبينا بالحج كيف نجعلها عمرة؟ - قال: افعلوا ما آمركم به) حتم عليهم وغضب حتى حل من لم يكن معه هدي، قالوا:(يا رسول الله! الحل كله؟ قال: الحل كله) .
مسألة: وقفة بعد أن سعى قلنا: إنه نزل في الأبطح ظاهر مكة بقي فيه أربعة أيام من يوم الأحد إلى يوم الخميس، وهو في هذا المكان يقصر الصلاة، وربما جمع بين الصلاتين، هل البقاء في الأبطح من الأمور المشروعة، أو إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نزله من أجل الراحة؟
الجواب
الثاني، في ذلك الوقت لا يوجد بناء، الآن يوجد بناء ولا يمكن للمرء أن ينزل إلا أن يستأجر من العمائر التي فيه، ومع ذلك لا نقول: إن من السنة أن يكون مكانك في مكة في هذه العمائر؛ لأن نزول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الأبطح أيسر له من أجل الدفع إلى منى.
مسألة: دفع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى منى في اليوم الثامن، نقف هنا: هل البقاء في منى في اليوم التاسع هل هو واجب أو سنة؟ الجواب: هو سنة وليس بواجب، فلو دفع الإنسان من مكة إلى عرفة فلا حرج، لكن فاته أجر المبيت في منى، ولو لم يحرم في الحج إلا يوم عرفة وذهب إلى عرفة فلا حرج، الدليل: أن عروة بن مضرس رضي الله عنه أدرك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صباح يوم العيد في مزدلفة وصلى معه، وأخبره أنه أتعب ناقته وأتعب نفسه وما ترك جبلاً إلا وقف عنده، فهل له من حج؟ فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(من شهد صلاتنا هذه -يعني: الفجر- ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بـ عرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) وعلى هذا فإذا ذهب الناس من أوطانهم ووصلوا إلى مكة يوم الثامن وخرجوا فوراً إلى منى دون أن يطوفوا بالبيت ويسعوا فلا حرج.