للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجمع بين الصلاتين في المطر]

من المعلوم أن الأمطار يحصل بها بعض التعب، فالمشي في المطر يبل الثياب، ويتعب الماشي، وربما يلحقه البرد في أيام الشتاء، وربما تكون الأرض وحلة -أي: طيناً- تزل به الأقدام، ومن رحمة الله أن أجاز لعباده الجمع في أيام الوحل وأيام المطر الذي يشق على الناس، أجاز الجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء، لقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، في المدينة من غير خوف ولا مطر، قالوا: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته) أي: لا يلحقها الحرج والمشقة، وهذه إشارة إلى العلة في جواز الجمع وهي الحرج، فمتى لحق الإنسان حرج في إفراد كل صلاة في وقتها فإن له أن يجمع سواء من المطر، أو الريح الباردة في الليلة الباردة، أو المرض، أو خوف ضياع ماله، أو خوف تلفه، حتى قال العلماء: إن الخباز إذا خاف أن تحترق خبزه فإنه يجوز أن يجمع.

لأن الأمر -والحمد لله- واسع.

لكن لا يجوز التهاون في الجمع، فيجمع بدون سبب؛ لأن بعض الناس بمجرد أن يأتي المطر يقول: هذا مطر نجمع، وهذا غلط كبير؛ لأن الجمع بدون سببه محرم ولا تقبل به الصلاة المجموعة إلى ما قبلها أو ما بعدها، فمثلاً: لو جمع العشاء إلى المغرب بدون سبب صحت صلاة المغرب ولم تصح صلاة العشاء؛ لأنها صارت قبل وقتها في حال لا يجوز فيه الجمع، وقد قال الله تبارك وتعالى في الكتاب العزيز: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:١٠٣] أي: محدودة بوقت، الفجر من كذا إلى كذا، والظهر من كذا إلى كذا، والعصر من كذا إلى كذا، والمغرب من كذا إلى كذا، والعشاء من كذا إلى كذا، محدد، وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تلك الأوقات، فمن صلى الصلاة في غير وقتها بغير حجة شرعية فهو آثم، والصلاة التي صليت في غير وقتها باطلة، فإذا جمع الإنسان بمجرد نزول المطر الذي ليس فيه مشقة وليس بالأرض وحل ولا مناقع من الماء فإن صلاته العشاء لا تصح، ويجب عليه أن يعيدها، فإذا شك الإنسان هل هذا المطر مبيح للجمع أم ليس بمبيح فما الواجب؟ الواجب ترك الجمع؛ لأن الأصل وجوب فعل الصلاة في وقتها، ولا يجوز العدول عن هذا الأصل إلا بدليل شرعي، فإذا شك الإنسان قال: هذا المطر لا أدري أيبيح الجمع لي أم لا؟ قلنا: لا تجمع، حتى تتيقن أن هذا المطر يبيح الجمع أو يغلب على ظنك أيضاً، لأنه إذا غلب على الظن كفى.

فإن قال قائل: أرأيتم لو صلوا المغرب وليس هناك مطر، ثم نزل المطر بعد أن تفرق الناس؟ قلنا: إذا شق عليهم الحضور إلى العشاء فليصل كل واحد في بيته ولا حرج، لكن في هذه الحالة إذا كان الإنسان معه رجال فليصلوا جماعة في البيت لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) فالأمر والحمد لله واسع، لكن لا بد من تحقق العذر الذي يبيح الجمع، وإلا أقدم الإنسان على أمرٍ لا يحل له.