للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان شدة عداوة النصارى للمسلمين]

الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فإننا نفتتح عامنا الهجري عام أربعة عشر وأربعمائة وألف، في هذا اللقاء في الثلث الأخير من شهر محرم، وهذا اللقاء كما تعرفون قد قرر كل شهر في يوم السبت ليلة الأحد الثالث من الشهر، وهذا شيء مقرر ومعلوم، ومعروف للجميع.

ولا شك أن المواضيع التي يحب الناس أن يعرفوا فيها الحكم الشرعي من خلال هذا اللقاء كثيرة، ولكن ما هو الأهم ثم ما هو المهم؟ إننا نستعين بالله عز وجل على معرفة الأهم الذي يختلج في قلوب كثير من الناس ويريدون أن يعرفوا حكم الله فيه بواسطة هذه اللقاءات مني ومن غيري من أهل العلم.

ولكن لا حرج أن يبين لنا بعض الناس، إما مشافهة وإما كتابة عن المواضيع الحساسة التي تهمهم، والتي يحتاج الناس إلى فقهها ومعرفة حكم الله تعالى فيها؛ لأن الإنسان مهما بلغ من دراية لأحوال الناس فلا يمكن أن يطلع على كل ما يختلج في صدورهم من المشاكل، فهناك مشاكل خاصة، وهناك مشاكل عامة، وهناك مشاكل اجتماعية، وهناك مشاكل سياسية، وهناك مشاكل قريبة، وهناك مشاكل بعيدة في البلاد الإسلامية؛ كما هو مشاهد الآن في بلاد البوسنة والهرسك التي يجب أن تكون عبرة وموعظة للناس، يعرفون بها أن اليهود والنصارى يد واحدة على المسلمين، وأن النصارى مهما تظاهروا بالولاية للمسلمين والمودة فإنهم كاذبون، إنما يسعون لمصالحهم الخاصة فقط، وأحبارهم وعلماؤهم يسعون لإضلال المسلمين بما يبذلونه من الشكوك، بل بما ينشرونه من الشكوك عبر محطات الإذاعة، بل أبلغ من ذلك أنهم يصدرون أشرطة الكاسيت إلى المسلمين للدعوة إلى النصرانية، والمسلمون ضعاف الدين قد يغترون بهذه الأساليب التي إذا سمعها الإنسان قال هذا هو الحق، ولكني أقول لكم: لا يوجد خير في أي دين من الأديان وهو خير حقيقي للعباد إلا وفي الدين الإسلامي ما هو خير منه مهما كان.

فالتسامح موجود في الدين الإسلامي، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:١٧٨] {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة:٢٣٧] .

ليس التسامح خاصاً بما ينشر عن دين المسيح عيسى بن مريم، بل التسامح في الإسلام، لكن تسامح الإسلام في حزم، أي أنه يشرع التسامح في الموضع الذي يكون فيه التسامح خيراً، وأحياناً لا يكون التسامح خيراً، ولهذا قيد الله عز وجل العفو بالإصلاح فقال: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى:٤٠] لأن العفو أحياناً لا يكون حميداً، أحياناً يكون العفو سبباً لتسلط الأشخاص واستمرارهم في شرورهم، وإذا أخذوا بالحزم وعوقبوا بما تقتضيه جرائمهم من العقوبة، كان في هذا خير كثير وكف أذى، ولهذا يجب ألا نحكم العاطفة في العفو عن الجناة في كل حال، بل يجب أن يكون لدينا رأفة ورحمة، وأن يكون لدينا حزم وعزيمة وقوة، ألم تسمعوا قول الله عز وجل: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور:٢] فنهى الله تعالى عن الرأفة للزاني والزانية، مع أن الرأفة مطلوبة، ومن أسماء الله الرءوف، لكن الرأفة لها محل، والحزم والأخذ بالعقوبة له محل آخر.

أقول: إن من ينظر إلى واقع المسلمين اليوم وإلى واقع النصارى يعرف تماماً شدة عداوة النصارى للمسلمين، وإلا فهل من المعقول أن توجد جمهورية إسلامية معترف بها بين الدول، ثم تمزق أشلاءً، وليته -أيضاً- على وجه كريم بل على وجه لئيم، يذبحون الرجال المسلمين كما تذبح الخراف، يؤتى بالإنسان الصبي اليافع الذي قلب أبيه وأمه متعلق به غاية التعلق فيذبح أمام والديه، ويقال: إنهم يجبرون الوالدين على شرب دم الولد والعياذ بالله.

هل وجدتم أشنع من هذا؟ ومع ذلك فإننا نسمع بين حين وآخر وعوداً من الأمم الكافرة السافلة، لكنها وعود كاذبة، لعب بعقول المسلمين، لكن هل نأخذ من هذا عبرة بحيث نحذر منهم كما أمر الله عز وجل {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء:١٠٢] وألا نساندهم أو نساعدهم في الأمور الاقتصادية التي يسلبون بها أموالنا ثم يحولونها إلى رصاص تصوب نحو صدورنا، وكما تعلمون أنهم بالأمس اختتموا المؤتمر الاقتصادي على مستوى الرؤساء، وماذا تظنون بهذا المؤتمر؟ أهو خير للبشرية أم شر؟ نجزم بأنه شر، وأنهم يريدون أن يحتكروا العالم اقتصادياً، ولهذا أرى أنه يجب على الأمة الإسلامية -وهي كثيرة ولله الحمد- أن تُكوِّن نفسها، وأن تكوّن لها اقتصاداً مبنياً على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان اقتصاد الأمة مبنياً على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه الاقتصاد الناجح، ولكن مع الأسف أن بعض الناس يظنون أن الاقتصاد هو اتباع ما كان عليه الناس، سواء وافق الشريعة أم خالف الشريعة، ولهذا نجدهم يتسابقون الآن إلى أشياء محرمة تحريماً واضحاً، وإما مشتبهاً فيها، وكأنما خلقوا للدنيا والاستكثار منها؛ فلا يبالي الواحد أسقط في شرك الربا أم الميسر أو غير ذلك مما حرمه الله عز وجل.

وخلاصة القول: إنه يجب علينا نحن المسلمين أن نحذر أعداءنا، وأن نعلم علم اليقين أنهم لن يسعوا لما فيه سعادتنا أبداً، وأن ننتبه وأن ننبه الشباب على خطورة الموقف وألا نغتر بما اغتر به كثير من الناس، مما يظهره أعداء المسلمين من المودة والموالاة والشفقة علينا؛ لأنهم إنما يريدون بذلك مصالحهم فقط، وما أيسر أن يتأمل الإنسان ثم يعرف حقيقة الأمر.

فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل قلوبنا يقظة وأن يقينا شر أعدائنا.