للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصية للآباء والأبناء بشأن الزواج]

السؤال

فضيلة الشيخ: أنا شاب لم أتزوج بعد، ولكن يا والدي عمري فوق العشرين ودون الثلاثين، وأريد الزواج ولكن لا أستطيع، فأرجو من الله ثم منك يا فضيلة الشيخ في هذا المقام المبارك أن تدعو الله لي ولإخواني الشباب لعل الله أن يفتح علينا أبواب رحمته، وأن يرزقنا الرزق الحلال، وما دور الآباء تجاهنا نحن الأبناء، وما دور الآباء أيضاً تجاه من عندهم من بناتهم في هذه المشكلة حيث مغالاة المهور، جعل الله فرجنا وفرج المسلمين بمنه وكرمه بسببك يا فضيلة الشيخ في دعوة الناس إلى تخفيف المهور وإعانة إخوانهم الشباب على هذا الزواج؟

الجواب

أما الدعاء فمبذول، وأوصي أخي السائل أيضاً أن يدعو الله هو بنفسه، فإن الله تعالى يقول في كتابه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:١٨٦] ويقول جل وعلا: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:٦٠] .

ولا شك أن ما يصيب الشباب اليوم من العناء والعنت والمشقة في العجز عن الزواج لا شك أنه أمر محزن، وأنه يخشى من عواقبه الوخيمة، وإن لي وصيتين: الوصية الأولى بالنسبة للشباب: أن يصبروا، ويسألوا الله العون وأن يعجل لهم بتيسير الأمور، وينتظروا الفرج من الله عز وجل.

وأوصي أيضاً الآباء بالنسبة لأبنائهم وبناتهم: أن يتقوا الله تعالى فيهم، لأن الأب إذا كان قادراً على تزويج ابنه وجب عليه أن يزوجه وجوباً كما يجب أن يكسوه ويطعمه ويسقيه ويسكنه يجب عليه أن يزوجه، والعجب أنه يوجد آباء أغنياء يقول له الولد: زوجني، فيقول: لا أزوجك، أنت اعمل وزوج نفسك، سبحان الله! الأمر بيده، هل الدراهم موجودة على الرمال ورءوس الجبال؟ أبداً، ولهذا نرى أن الرجل القادر على تزويج أبنائه يجب عليه أن يزوجهم وجوباً، فإن لم يفعل فهو ظالم آثم، ولست أقول هذا من عند نفسي بل قاله العلماء رحمهم الله، قالوا: إنه يجب على الرجل أن يعف أبناءه كما يجب عليه أن يسد جوعهم وعطشهم، بل قد تكون مسألة الزواج أخطر؛ لأنها قد تتعدى إلى الغير فيفسد غيره.

فيجب على الآباء أن يزوجوا أبناءهم إذا كانوا قادرين.

الوصية الثانية بالنسبة للآباء: أنه يوجد أناس عندهم بنات، بل عندهم عدد كثير من البنات ومع ذلك يأتيه الخاطب الكفء فيرده دون أن يستشير البنت، وقد جرى هذا كثيراً، وما أكثر البنات اللاتي يشكين من هذا، أن أباهن يرد الخطاب الأكفاء دون أن يرد العلم إلى البنت المخطوبة، وهذه والله خيانة للأمانة، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:٢٧-٢٨] .

وقد ذكر العلماء رحمهم الله: أن ولي المرأة إذا منعها كفئاً في دينه وخلقه فإن ولايته تسقط، وإذا تكرر ذلك منه فإن عدالته تزول، بمعنى: أن الرجل لو خطب منه عدة مرات وهو يرد الأكفاء فإنه يكون بذلك فاسقاً لا تقبل شهادته ولا ولاية له، بل قال العلماء: لا يصلح أن يكون إماماً في الناس؛ لأنه فاسق حيث عضل ابنته من الزواج، ومع ذلك تسقط ولايته، ويقال: إذا لم تزوج يزوجها ولي آخر، يزوجها من يليه من الأولياء، ولكن المشكلة أنه لا يمكن أن تتجاسر امرأة على رفع القضية إلى القاضي حتى يزوجها عمها بدل أبيها، وأقول: إذا لم يمكن هذا حسب العادة عند الناس فإن الأب سيزداد إثماً؛ لأنه هو الذي منع حقها.

ولقد حدثت قبل سنوات أن فتاة حضرها الموت وعمرها فوق ثلاثين سنة وعندها نساء يمرضنها، فلما حضرها الموت وهي في سياق الموت، قالت لهن: بلغو أبي سلامي، وقلن له: إنه قد ظلمني حيث لم يزوجنِ ولكني سأقف أنا وهو بين يدي الله عز وجل، تقول هذا في سياق الموت، ولعلها لم تمت إلا كمداً حيث منعها حقها، فوصيتي للآباء أن يتقوا الله في أبنائهم وبناتهم، أن يزوجوا الأبناء إذا كانوا قادرين ويزوجوا البنات إذا خطبهن الأكفاء.

ولكن لو تعارض رأي الأب ورأي البنت، الأب يريد إنساناً هيناً في دينه وإن لم يكن ذا دين واضح، والبنت تريد رجلاً ديناً فمن الذي يقدم: البنت أم الأب؟ البنت بلا شك، حتى لو فرض أن الذي اختاره الأب كان ذا مال وميسرة والثاني دون ذلك، فإن رأي البنت مقدم، ولو كان الأمر بالعكس اختارت البنت خاطباً ليس كفئاً في دينه واختار الأب خاطباً كفئاً في دينه من يقدم؟ الأب، ولهذا لو أن الأب منع ابنته إذا قالت: أنا لا أريد إلا فلان وفلان ليس ديناً وقال: لا أزوجك فلان؛ لأنه ليس أهلاً للتزويج وماتت وهي لم تتزوج، فهل على أبيها إثم؟ الجواب: لا، لأن منعه إياها بحق، حيث اختارت من ليس بكفء وترد من هو كفء.