[مفسدات الصيام]
ولنعد الآن إلى الأشياء التي يصام عنها حساً، فنقول: الذي يصام عنه حساً: الأكل والشرب والجماع، وهذا مذكور في قول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:١٨٧] ، فذكر من المفطرات الأكل والشرب والجماع، وهي مفسدة للصوم بإجماع المسلمين، هذا في القرآن.
ومن المفطرات: ما كان بمعنى الأكل والشرب، أي: ما أغنى عن الأكل والشرب، مثل الإبر المغذية التي يكتفى بها عن الأكل والشرب، أما غير المغذية فلا تفطر، سواء ضربها الإنسان في الفخذ أو في العرق، أو في الوريد، أو في أي شيء، لا يفطر من الإبر -أي: الحقن- إلا ما يغني عن الأكل والشرب؛ لأنه بمعنى الأكل والشرب، إذ إن البدن يتغذى به هذه أربعة.
الخامس: إخراج المني بفعل الإنسان، أي: أن يفعل فعلاً يخرج به المني، سواء قبَّل زوجته فأمنى، أو ضمها فأمنى، أو ما أشبه ذلك، أو استمنى بيده، أو على مخدة أو على فراش حتى خرج المني؛ فإنه يفطر ويفسد صومه، ولو قال قائل: ما هو الدليل؟ كيف تفسدون عبادة خلق الله بدون دليل؟ نقول: هذا اعتراض صحيح، أي إنسان يفسد أي عبادة من العبادات فعليه الدليل، وإلا فلا يجوز له أن يتحكم في عباد الله ويقول لهذا: عبادتك صحيحة، ولهذا عبادتك فاسدة، لا يمكن.
ف
الجواب
ربما يُستدل بما جاء في الحديث القدسي الذي رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه حيث إن الله يقول: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) والمني شهوة، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة) أن الرجل إذا جامع زوجته فهي صدقة (قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: نعم، أرأيتم لو وضعها -انتبهوا لكلمة (وضعها) - في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) ، هذا هو تقرير الدليل في أن الإنزال بفعل الإنسان يفسد الصوم.
وما هو حكم الإمذاء؟ لو أن إنساناً قبل زوجته فأمذى أيفسد صومه؟ لا يفسد، ولا يمكن أن يقاس الإمذاء على الإمناء لظهور الفرق بينهما.
السادس: إخراج القيء عمداً والقيء معروف، أن يخرج الإنسان ما في معدته من الطعام والشراب، إذا تعمد، أما إذا غلبه القيء فإنه لا يضره، والدليل على هذا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من استقاء عمداً فليقضِ، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه) وهنا
السؤال
لو أحسست بالقيء هل يلزمك أن تحجبه وتمنعه؟ الجواب: لا يجب، وفي هذا ضرر عليك؛ لأن المعدة إذا هاجت لا بد أن تخرج، فلا تمنعها، دعه يخرج، لكن لا تجلبه أنت، وفرق بين الجلب وبين كون المعدة تهيج حتى يخرج ما فيها، فالأول بفعل الإنسان والثاني بغير فعله.
السابع: إخراج الدم بالحجامة.
فلو أن الصائم حجم فخرج منه دم فسد صومه، ولا بد من دليل، فقد ذكرت لكم الآن أن كل إنسان يقول هذه العبادة فاسدة، قل: عليك الدليل، ولا يحل لإنسان أن يقول للناس: عباداتكم باطلة إلا بدليل؛ لأنه لو أبطل عبادة قام بها الإنسان لربه افترى على الله كذباً إلا بدليل إذاً: ما هو الدليل؟ الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، وهذا الحديث صحيح عند الإمام أحمد رحمه الله، صححه وأخذ به، وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة صغيرة له اسمها: حقيقة الصيام، قرر هذا وأكده، وبين أنه هو القول الراجح، وإن كان بعض العلماء يقول: الحجامة لا تفطر، لكن الصحيح أنها تفطر.
وهل الرعاف يفطر أم لا؟ أما لو غلب الإنسان فإنه لا يفطر، ولا إشكال في هذا، فلو أن الإنسان رعف أنفه وخرج دم كثير فإنه لا يفسد صومه؛ لأنه بغير قصد وقياساً على القيء، فإن القيء إذا غلبه لا يفطر، وهذا أيضاً مثله، لكن لو أن الإنسان أدخل إصبعه في أنفه لينظفه فصار الرعاف أيفطر أم لا؟ لا يفطر؛ لأنه ما أراد أن يخرج الدم، بخلاف الذي أتى للحاجم وقال: احجمني.
الثامن: خروج دم الحيض والنفاس فإذا خرج دم المرأة وهي صائمة فسد صومها، أعني بذلك الحيض أو النفاس، فلو حاضت المرأة قبل غروب الشمس بخمس دقائق فقط فإنه يفسد صومها، ولو حاضت بعد الغروب بدقيقة فلا يفسد صومها، وأما ما اشتهر عند النساء أنهن يقلن: إذا حاضت المرأة قبل أن تصلي المغرب ولو بعد غروب الشمس فصومها فاسد، فهذا غير صحيح، بل متى غابت الشمس وهي لم تحض فصيامها صحيح، حتى لو أحست بأن الحيض تحرك قبيل الغروب ولم يخرج إلا بعد الغروب فصيامها تام وصحيح، وإن لم تصلِّ، فالعبرة بغروب الشمس وخروج الدم.
والنفاس كذلك، ودم الاستحاضة، الدم الذي يسمى دم فساد هل يفسد الصوم؟ لا يفسد الصوم إلا دم الحيض أو دم النفاس.
إذاً: هذه ثمانية مفطرات، لكن الثامن في الواقع بغير اختيار الإنسان، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحائض مقرراً الحكم: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟) .
والسبعة الأولى هي: الأكل، الشرب، الجماع، إنزال المني بفعله، القيء عمداً، الحجامة، ما كان بمعنى الأكل والشرب.