للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مشروعية النكاح وموانعه]

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فإنه بمناسبة حلول الإجازة الصيفية وكثرة عقود النكاح فيها أحببت أن يكون موضوع هذا اللقاء الحديث عن النكاح وما يتعلق به.

فأقول أولاً: النكاح مرغوب إلى الإنسان بمقتضى الفطرة والطبيعة، وجعله الله تعالى مرغوباً للإنسان بمقتضى فطرته وطبيعته من أجل أن يبقى النسل الإنساني، لأنه لولا هذه الفطرة والطبيعة التي تحدو الإنسان إلى النكاح ما كان ليبدي الإنسان عورته أمام امرأة كانت أجنبيةً منه، وما كان ليمارس هذا الفعل، لكن الله تعالى ركب في الإنسان طبيعة فطرية تحدوه إلى هذا النكاح.

وهو مع ذلك -أيضاً- هو من سنن المرسلين، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تزوج وقال: (حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة) ولما أراد بعض الصحابة أن يدع النكاح تعبداً لله عز وجل بتركه، خطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنكر ذلك، قال: (أما أنا فأتزوج النساء، وأصلي وأنام، وأصوم وأفطر، ومن رغب عن سنتي فليس مني) فتبرأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ممن ترك النكاح تعففاً ورهبانية، وقال: (من رغب عن سنتي فليس مني) .

ولهذا أجمع العلماء على أن النكاح مشروع، وأنه عبادة، ولكن اختلفوا: هل يجب على الإنسان القادر للشهوة؟ على قولين، والصحيح: أنه يجب على الشاب - ذي الشهوة إذا كان قادراً - أن يتزوج، ويحرم عليه أن يؤخره من أجل الدراسة أو التجارة أو غير ذلك، ما دام عنده شهوة وقادر يجب أن يتزوج، دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة -يعني النكاح- فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) فأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الشباب القادرين على النكاح أن يتزوجوا، وبين الفائدة العظيمة منه وهو أنه أغض للبصر وأحصن للفرج، وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هاتين الفائدتين مع أن فيه فوائد كثيرة لأن هاتين الفائدتين أسرع ما يكون إلى الإنسان، بمجرد ما يتزوج الإنسان يكف بصره عن النساء، ويحصن فرجه، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، يصوم؛ لأن الصوم عبادة وهو في نهاره صائم، كاف، غافل عما يتعلق بالنساء، وفي ليله نائم.

ثم إن الصيام يضعف مجاري الدم، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فإذا ضعفت المجاري ضعفت مسالك الشيطان وصار ذلك أقرب إلى السلامة، ولكن إذا لم يستطع الصوم، كشاب لا يستطيع النكاح ولا يستطيع الصوم ماذا يفعل؟ يفعل ما أمر الله به بقوله: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٣] يستعف، يتصبر فإن من يتصبر يصبره الله عز وجل، وإذا كان الإنسان متعففاً كافاً عما حرم الله فإنه يدخل في قول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:٤] .