للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مباحث في السلام]

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فهذا هو لقاؤنا الشهري الذي يتم ليلة كل أحد ثالث من الشهر، وهذه الليلة هي ليلة الأحد السادس عشر من شهر ربيع الأول عام ثمانية عشر وأربعمائة وألف.

موضوع هذا اللقاء: بيان أن المؤمنين إخوة كما قال الله تبارك وتعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:١٠٣] وقوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:٩-١٠] وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وكونوا عباد الله إخواناً) .

هذه الإخوة الإيمانية التي رتبها الله تعالى في القرآن ونبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في السنة يجب أن يكون لها مقتضاها: وهو النصيحة التامة لإخوانك المؤمنين، والقيام بحقوقهم، وأن يكون الأخ المؤمن لك كأنه أخوك من النسب.

ولقد بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حقوق المسلم على أخيه، فمنها أن يسلم عليه إذا لقيه، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه) والسلام سنة مؤكدة على كل من لاقى أخاه، وليكن السلام باللغة الفصحى البينة الواضحة (السلام عليك، أو سلام عليك) إما بأل أو بحذف أل؛ كلاهما جائز، لكن بعض العلماء يفضل أل أي يفضل أن تقول: السلام عليك، وبعضهم يقول: حذفها أولى، وبعضهم يفرق بين الكتابة وبين المشافهة، ففي الكتابة يقول: السلام عليك، وفي المشافهة يقول: سلام عليك، والأمر في هذا واسع: إن شئت قل سلام عليك وإن شئت قل: السلام عليك، وإن شئت قل: السلام عليكم، وإن شئت قل بالإفراد: السلام عليك، المهم ألا تدع السلام.

ولا يجزئ عن السلام الإشارة، بل الإشارة بدون سلام منهي عنها، ولا يجزئ عن السلام أن تقول: أهلاً ومرحباً، أو كيف أصبحت أو كيف أمسيت، بل لا بد أن تقول: السلام عليك أو سلام عليك.

وبماذا يرد المسلَّم عليه؟ يرد بقوله: عليك السلام.

وهو إذا سلم فله عشر حسنات، وإذا رد فله عشر حسنات، وإذا زاد: أهلاً مرحباً حياك الله، وما أشبه ذلك فإنه من الأشياء المحبوبة لأن هذا يزيد القلوب محبة.

ولا يحل للإنسان أن يهجر المسلم فوق ثلاثة أيام مهما كانت الأسباب، ما دام مسلماً فإنك لا تهجره فوق ثلاثة أيام تلاقيه ولا تسلم عليه، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) .

أيجوز أن يهجره إذا كان مجاهراً بالمعصية، كرجل حالق اللحية، مسبل الثوب، شارب الدخان، قليل حضور المسجد، هل يحل له أن يهجره لهذه المعاصي؟

الجواب

ننظر هل هذا خرج من الإسلام بهذه الأفعال؟ لا، هو ما زال مسلماً، وإن كان لا يصلي مع الجماعة، وإن كان يشرب الدخان، وإن كان يحلق اللحية، وإن كان يسبل الثوب، فهو مسلم، فيدخل في قوله: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) .

نعم لو فرض أنك لو هجرته ولم تسلم عليه خجل واستحيا وترك المعصية فهنا يكون الهجر حسناً؛ لأنه دواء، لكن إذا علمت أنك لو هجرته لم يزدد إلا نفوراً منك وكراهيةً لنصحك وهو مستمر في معصيته فهنا نقول: الأفضل ألا تهجره، ولا فرق بين القريب منك والبعيد، المؤمنون كلهم إخوة.

ثم إن السلام فيه مباحث: