أما الأضاحي فهي سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنه كان يضحي كل عام، ويضحي بكبشين: أحدهما يقول: (هذا عن محمد وآل محمد) والثاني يقول: (هذا عن أمة محمد) عليه الصلاة والسلام وجزاه الله عنا خيراً، والأضحية سنة مؤكدة، وقال بعض العلماء: إنها واجبة على القادر، وممن ذهب إلى ذلك في ظاهر كلامه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، فالإنسان القادر يضحي إما وجوباً وإما استحباباً مؤكداً، ولكن الأضحية عمن؟ الأضحية عن الأحياء، والأموات إن أوصوا بأضحية ضحي لهم حسب وصيتهم، وإن لم يضحوا فإنه لا يضحى عنهم وإنما يكونون تبعاً، فإذا قال الإنسان: هذا عني وعن أهل بيتي.
وفيهم أموات دخلوا في ذلك.
وقولنا: إنه لا يضحى لهم إلا بوصية، لا تستغربوا هذا؛ لأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو لم يضح عن أحد من أمواته، لقد ماتت زوجته خديجة وهي من أحب زوجاته إليه ولم يضح عنها، ولقد مات له ثلاث بنات وثلاثة أبناء ولم يضح عنهم، ماتت له زينب ورقية وأم كلثوم، ومات له إبراهيم وأخواه ولم يضح عن أحد منهم، ومات له عمه حمزة وهو من أحب أعمامه إليه، استشهد في أحد رضي الله عنه ولم يضح عنه، وما علمنا أحداً من الصحابة ضحى عن أقاربه، ولا شك أنه لو كان خيراً لسبقونا إليه، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن الإنسان إذا ضحى عن الميت لم تقبل لعدم ورود الشرع بها، لكن أكثر العلماء قالوا: إنها تقبل؛ لأنها بمنزلة الصدقة، والصدقة جاءت السنة بقبولها عن الميت.
على كل حال: لا أريد أن أزهدكم في الأضاحي عن الأموات، لكن أريد أن أدفع تلك العادة التي اعتادها بعض الناس فصاروا لا يضحون إلا عن الأموات، لا يضحي الإنسان عن نفسه وأهله، وهذا لا شك أنه خطأ، وأن الأصل في الأضحية عن الرجل وأهل بيته.