إنني أحث نفسي وإياكم على اغتنام الفرصة في هذا الشهر المبارك، ولقد جرت العادة لكثير من الناس أن يسافروا إلى مكة لأداء العمرة وللمكث فيها ما شاء الله، ثم منهم من يرجع ومنهم من يكمل الشهر، ولا حرج في هذا، ولكن إذا كان الإنسان إذا ذهب إلى مكة يضيع الواجبات عليه فإنه يكون بذلك آثماً، لو فرضنا أنه ذهب إلى مكة وترك وظيفته، إن كان مؤذناً ترك الأذان، وإن كان إماماً ترك الإمامة، وربما ينيب عنه من لا يرضاه أهل المسجد، أو من لا ترضاه إدارة الأوقاف أو ما أشبه ذلك، يكون هذا الإنسان كالذي هدم مصراً وعمر قصراً، وبإمكانه إذا كان يحب أن يعتمر في رمضان أن يذهب في خلال ثلاثة أيام ويرجع، وإذا كان في الطائرة في خلال يوم واحد.
كذلك -أيضاً- بعض الناس يذهب إلى مكة ويبقى كل الوقت هناك ويضيع أهله وأولاده، يسفهون ويتسكعون في الأسواق ليلاً ونهاراً، ويضيعون الواجب؛ لأن بعض الناس في رمضان يحيون الليل وينامون النهار، ويتركون الصلاة مع الجماعة؛ فيضيعهم وهو مسئول عنهم، فيكون هذا الرجل فعل مستحباً وترك واجباً، وكل إنسان عاقل لا يمكن أن يفضل المستحب على الواجب.
وشر من ذلك من يذهب بعائلته إلى مكة ويدع العائلة الشباب والشابات يتسكعون في مكة، ويسفهون مع من يسفه ولا يبالي، تجده في المسجد الحرام يمكن في أول صف ويرى أنه حصل على أجر كثير وخير عميم، ولم يدر المسكين أنه بإضاعته أهله على إثم كبير؛ لذلك يجب علينا -يا إخواني- إذا أردنا عبادة أن نستشير أطباء العبادة، فمنهم أطباء العبادة؟ العلماء، فنستشير العلماء: هل هذا خير أو غير خير؟ هل هو شر أو خير؟ وأما أن يتعبد الإنسان لربه بعاطفته فهذا خطأ عظيم، قال الله عز وجل:{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ}[المؤمنون:٧١] أي: بالقرآن الذي فيه تذكرهم {فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ}[المؤمنون:٧١] .