للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحريم المغالاة في المهور]

ومن المهم في النكاح تقليل المهور بقدر الإمكان، فإذا قدرنا أن هذا الرجل بذل عشرة آلاف ريال فهل يجوز أن نزوجه أم لا يجوز؟

الجواب

يجوز، عشرة آلاف ريال ليست هينة.

إنسان رضي أن يزوج ابنته وهي أيضاً رضيت أن يزوجها بعشرة دراهم؟ يجوز، عشرة دراهم! بدرهم واحد؟ يجوز، والدليل: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للرجل: (التمس ولو خاتماً من حديد) لا يساوي درهماً.

فإن قال الرجل للخاطب: أنت رجل صاحب دين وخلق ومال وأنا أريد أن أزوجك ابنتي مجاناً بدون شيء، أنا لا يهمني المال يهمني الرجل، أزوجها لك مجاناً، قال: قبلت، يجوز أم لا؟ يقول أبو البنت: هذه هدية، والبنت موافقة أيضاً، قال: هذه هدية؛ لأن هذا رجل غني وصاحب أخلاق ودين لا يجوز.

إنسان آخر خطب منه رجل فقير ليس عنده مال، لكنه صاحب دين وخلق، فقال: إني أزوجك مجاناً تقرباً إلى الله عز وجل وصدقة لأنك فقير، فقال: جزاك الله خيراً قبلت، هل يصح النكاح؟ لا يصح النكاح، والدليل: قول الله تبارك وتعالى بعد أن ذكر المحرمات: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء:٢٤] لا بد للإنسان أن يطلب المرأة بالمال، فلا بد من المهر.

ومن السنة: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للرجل: (التمس ولو خاتماً من حديد، قال: لا أجد -لم يقل: إذاً نعطيك إياها- بل قال: هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم.

قال: زوجتكها بما معك من القرآن) .

والنكاح بالهبة لا يصح إلا لواحد وهو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:٥٠] .

إذاً: لا يمكن أن يتزوج أحد بالهبة، وإذا قدر أن إنساناً قال: زوجتك مجاناً قال بعض العلماء: إن النكاح غير صحيح، وممن قال بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال بعض أهل العلم: إن النكاح صحيح، ولكن يجب مهر المثل لهذه المرأة، أي: ينظر ما مهر أختها أو أمها أو بنت عمها أو ما أشبه ذلك، وتعطى مثل هذا المهر؛ لأنه لا بد للنكاح من عوض، إنما نحن نقول: العوض لا بد منه، لكن ينبغي أن نقلل الصداق بقدر المستطاع.

لكن مع الأسف أن بعض الأولياء -هداهم الله- جعلوا بناتهم سلعاً في المزايدة، إذا خطب الخاطب قال: ماذا عندك؟ قال: عندي عشرة آلاف، قال: لا فلان أعطاني عشرين ألفاً، وخطب الثالث، وقال: أعطيك ثلاثين ألفاً، قال: ارفع قليلاً، طلب زيادة كأنها سلعة يتزايد فيها الناس، وهذا والله حرام عليهم، حتى إن البنت تقول: أنا أريد هذا الرجل ولو بأقل القليل، يقول الأب: لا.

وشر من ذلك: أن بعض الناس يشترط لنفسه شيئاً من المهر، يقول الأب: أنا أزوجك لكن أريد (وايت) للغنم، (والوايت) برميل كبير يكون على السيارة يُملأ ماءً، وهو يقول: عندي غنم تحتاج إلى ماء، والماء بعيد أضيف إلى المهر (وايت) للماء، وأريد أيضاً حوضاً كبيراً أنقل به الشعير للغنم، والأم تطلب أيضاً شيئاً، والأخ وهكذا، حتى إن بعض الأحيان يبلغ المهر أكثر من مائتي ألف نسأل الله العافية، هذا الشاب من أين يحصل هذا المبلغ؟ أو يستدين ثم إذا حل الدين قلب عليه مرة ثانية، هذا منكر.

وأقول لهؤلاء الذين يشترطون لأنفسهم: إنه لا يحل لكم شيء من ذلك، حرام عليكم، فإذا تحذلق الأب وتعنيف وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنت ومالك لأبيك) قلنا له: إلى الآن لم يكن المهر مالاً للزوجة حتى الآن، أنت اشترطت هذا قبل أن تملكه البنت، إذا ملكته البنت فخذ ما شئت إذا لم يضرها أو تحتاج إليه، أما أن تشترط لنفسك وتجعلها كأنها سلعة فهذا حرام، اتل هذه الآية: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً} [النساء:٤] أي: بعد قبضه {فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء:٤] فأضاف المهور إلى النساء مما يدل على أن المهر ملك للمرأة.

إذاً: المبحث الثاني من هذا اللقاء المهر، وأنه ينبغي التخفيف والسهولة فيه؛ لأن أعظم النكاح بركة أيسره مئونة.