للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطر تتبع الموضات ولبس العباءات الفاضحة]

السؤال

فضيلة الشيخ! مشكلة أراها انتشرت في مجتمعنا وابتلي بها أناس ذوو دين وخلق، ألا وهي لبس العباءات التي تكون على الكتفين مع تنوع أسمائها، مرة عمانية وأخرى فرنسية، فما قولك الفصل في هذه المسألة لعلنا نحصر هذه المشكلة قبل انتشارها بشكل أعظم؟ وأقترح على فضيلتكم -والأمر لكم- أن تكتب فتوى في ذلك وتوزع على مدارس البنات وغيرها من مجتمعات النساء.

الجواب

أولاً: أنا أرى أن شعبنا -والحمد لله- شعب محافظ، قد بنى سلوكه ومنهجه على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى ما درج عليه سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم، هذا معظم شعبنا ولله الحمد، ولا إشكال في ذلك، وأحب بكل قلبي ألا ننتهز الفرص كلما جاءتنا موضة ذهبنا نأخذ بها.

وهذه الموضات التي ترد إلينا: إما أن تخالف الشريعة وإما أن تخالف العادة، فإن كانت مخالفة للعادة دون الشريعة فإن اتباعها يعتبر سفهاً في العقل، إذ أي فرقٍ بين هذه العادة التي وردت والعادة التي نحن عليها؟ بل إن عاداتنا -والحمد لله- أقرب إلى الستر والمصونة من العادات الواردة.

أما إذا كانت مخالفة للشريعة فكيف يرضى المسلم أن يتلبس بعادات قوم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر مخالفة لشريعة الله؟! ثم اعلم -يا أخي- أن التشبه بالكفار يزيد الكفار قوة ويزيدك ضعفاً، بغض النظر عن نوع الملبوس؛ لأنك إذا تشبهت بقوم فهذا يعني أنك جعلتهم سادة لك، وجعلت نفسك تابعاً لهم وهم متبعون إذاً: أنت أنزلت نفسك في منزل الذل وأنزلت أولئك في منزل العز؛ لأنه لولا أنك تعتقد أنهم أرقى منك لما قلدتهم، وهذه كثير من الناس يغفل عنها، كثير من الناس لا يعرف هذا، ويكفي أن نعلم أن أولئك إذا علموا أنك آخذ بعاداتهم فرحوا بهذا، وقالوا: نحن القادة ونحن السادة.

فأود من كل قلبي ألا ننتظر كل موضة تخرج فنأخذ بها، ثم إننا إذا جعلنا نتتبع الموضات ألهانا ذلك عن مصالح ديننا ودنيانا، وصار الواحد منا -ولا سيما النساء- ليس له هم إلا أن ينظر ماذا حدث اليوم، ماذا ورد إلى السوق من اللباس، وما أشبه ذلك، وهذه مصائب تدل على ضعف الشخصية وعلى قلة الدين.

والآن هناك شيء عجيب! فتحت مطاعم للأكل والشرب في بلد كـ عنيزة، بلد أهلها -والحمد لله- غالبهم مواطنون، فوجدنا أن أناساً يرتادون هذه المطاعم من أهل البلد الصميم يتعشون هم وأهلهم في هذه المطاعم! سبحان الله! عجائب! أيهما أحسن: عشاء أنت الذي توليته بنفسك وعرفت ما فيه وعرفت نظافته، أم طعام قد يكون بقايا طعام وضع بعضه على بعض وسخن في النار وكأنه مطبوخ الآن؟! ثانياً: أنت لا تدري، أحياناً قد يوجد في هذه المطاعم طعام متسمم.

ثالثاً: كيف تخرج بعوائلك؟! بنات أعمارهن تسع عشرة سنة أو عشرون سنة أو خمس عشرة سنة، وشباب صغار، كيف تخرج بهم إلى هذه المطاعم؟! أليس من الأجدر بك وأنت الرجل المصون الحريص على سلامة عرضك، أليس الأجدر بك أن تبقى أنت وأهلك في بيتك؟! والله هذا هو الأجدر.

فالحقيقة أن الإنسان كلما تفكر في المجتمع وجد هناك أشياء تَنِمُّ عن ضعف الشخصية، وعن قلة الدين، وعن سفه العقل.

أما بالنسبة لهذه العباءات، فلا يشك أحد أن العباءة العادية التي كانت تلبسها نساؤنا أستر من هذه العباءات وأبعد من الفتنة، وأقوى للشخصية؛ حيث إن الإنسان لم يتنزل إلى ما ورده من غير المسلمين، وهذا يكفي في أن نرجح العباءات السابقة على العباءات الجديدة.

ثم إننا نقول: بالله عليكم أيهما أستر: العباءة السابقة، أم هذه التي تبين الأكتاف وتبين العنق طوله من قصره، وربما تكون ضيقة تبين مقاطع الجسم؟ الأول أفضل وأستر، ثم لا ندري أيضاً ربما تتطور المسألة وتكون اليوم عباءة وغداً قميصاً، ويستطيع الواحد أن يقول: ما الفرق يبن هذه العباءة الكتفية وبين القميص؟ وتكون النساء تخرج بالقمص، وربما تتطور الدعوى ولا يكفي هذا، ربما تخرج بالقمص المفتوحة من الأمام والخلف وليس على المرأة إلا السروال، فالمسألة ليست تطوراً بل هي تدهور، وإذا لم يقم الرجال من أهل العلم والدين والعقل والمصونة على هذه العادات التي وردتنا فسوف تنتشر على وجه لا يمكننا أن نقوم أمامه؛ لأن الماء إذا كان قليلاً يمكن حبسه في أي حابس، لكن إذا جاء واد كبير فما الذي يسده؟! فالواجب على عقلائنا وأهل الدين منا وأهل العلم أن يحاربوا هذه الأشياء قبل أن تستفحل ويعجزوا عنها، واسألوا الدول الكافرة والمقلدة للكفار ماذا حصل لهم بالتفسخ والتبرج؟ حيث عجزوا الآن عن أن يقيموا حرماتهم وشخصياتهم.