للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الهجر مصالحه ومفاسده]

السؤال

من كان له قريب قد وضع دشاً على ظهر بيته، فهل يزوره في بيته أم يهجره؟ ومتى يكون الهجر، لأني أخشى أن تكون زيارتي له إضراراً وأنا أعلم أنه لن يستجيب للنصيحة؟

الجواب

أيها الإخوة! الهجر لا يجوز، لا يجوز هجر العاصي مهما بلغت معصيته، إلا إذا كان في الهجر مصلحة، ودليل ذلك: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) هل العاصي مؤمن أو غير مؤمن؟ مؤمن، لو كانت معصيته أعظم المعاصي بعد الشرك فهو مؤمن، ليس هناك ذنب فيما يتعلق بمعاملة المخلوقين أشد من القتل، قتل المؤمن عمداً من أعظم الذنوب، حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يزال الرجل في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) ومع ذلك قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة:١٧٨] أخيه من هو؟: المقتول، مع أن القتل عمد؛ لأنه لا قصاص إلا بعمد: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة:١٧٨] فجعل الله تعالى المقتول أخاً للقاتل، مع أنه قاتل من أعظم الذنوب، وإذا كان مؤمناً فإنه لا يجوز هجره إلا ثلاثة أيام فقط.

نعم لو كان في الهجر مصلحة وفائدة هجرناه، كيف المصلحة؟ أن يخجل، ويشعر بذنوبه، ويقول: إنه لم يهجرني قريبي أو أخي إلا لهذا السبب إذاً نترك هذا السبب، فهنا يحسن الهجر أو يجب الهجر، اذكروا لي هجراً صار مفيداً؟ الثلاثة الذين خلفوا، صار هجرهم مفيداً، هجرهم النبي عليه الصلاة والسلام، وهجرهم الصحابة، لكن يا له من هجر! أثمر ثمرات يانعة لا نظير لها في مثل قصتهم، أنزل الله فيهم قصةً تتلى في المساجد في الصلوات يتقرب إلى الله تعالى بها، في كل حرف منها عشر حسنات، ثم في النهاية قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩] لكن أي هجر يورث هذا؟! بعض الناس يقول: أنا والله ما عندي نفس أتحمل أن أُسلِّم على الإنسان العاصي! يا أخي العاصي هذا عنده مرض، هل نترك المرضى ونقول: لا نعالجهم؟ الجواب: لا، نعالجهم لا نغلب العاطفة والغيرة على المصلحة العامة، عالجهم، صحيح أن الإنسان ربما يجد من نفسه ثقلاً عظيماً أن يلقاه إنسان معه سيجارة ويسلم عليه، لكن ما دمت تعلم أنك تريد أن تداوي هذا الرجل من مرضه فاسلك أقرب طريق يكون دواءً له ولا عليك، الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعامل الناس باللطف واللين والرفق، وقال الله له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران:١٥٩] .