ابتلي كثير من الناس اليوم بوجود خادمات في البيوت فهل يجوز لصاحب البيت أن ينظر إليها وتكشف له وجهها، وكذلك لأولاده، بل ويخلو بها في البيت أو يتركها عند أحد أولاده في البيت ويخرج هو وزوجته والولد في سن البلوغ، وغالباً تكون الخادمة شابة متجملة في أحسن لباس وأحسن هيئة، فما نصيحتكم في هذه البلوى التي لا يخفاكم خطرها وأبعادها على الشباب وتردي الأخلاق؟ وفي نفس المضمون أيضاً يقول: فضيلة الشيخ! يوجد من بعض الملتزمين وممن نتوسم فيهم الصلاح، أنهم يأتون بخادمة أو شغالة بدون محرم وهم يعلمون الحكم باستقدامها بدون محرم، وإذا أتوا بها إلى هنا لا يلزمونها بالحجاب الشرعي وهو ستر وجهها لا عنه ولا عن أولاده في البيت، وإذا خرجت من البيت أمرها بالحجاب فإذا نصح لماذا لا تغطي وجهها؟ قال: إنها شغالة كيف تعمل وتشتغل وهي محجبة فما هو الحكم في ذلك؟ وقريب من هذا الموضوع يقول: إذا كان الإنسان مضطراً لجلب خادمة حيث إن زوجته مضطرة لذلك حيث لديها أربعة أولاد صغار لا يتجاوز الكبير منهم سبع سنين فهل يحل له ذلك أم هو حرام عليه؟
الجواب
هذا سؤال مهم جداً وهو ما ابتلي به الناس من تيسير الحصول على الخدم لكثرة المال واحتياج هؤلاء الخدم للمجيء إلى هذه البلاد، وهذه البلوى قد يبتلي الله سبحانه وتعالى بمثلها لينظر كيف يعمل الناس، ففي عهد الصحابة رضي الله عنهم يسر الله لهم وهم في الإحرام الصيد، مع أن الصيد للمحرم حرام، فصارت أيديهم تناله ورماحهم تناله، رماحهم تنال الطيور وأيديهم تنال الزواحف كالضبا والأرانب، وفي هذا يقول الله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ}[المائدة:٩٤] فهؤلاء الخدم تيسر لنا الحصول عليهن، وصار بعض الناس يستقدمونهن لا للحاجة ولكن للمباهاة من أجل أن تخرج المرأة ووراءها خادمها أو خادمتها وفي يدها الحقيبة قد علقتها بيدها، ثم إذا وقفت عند المتجر قالت: يا فلانة أحضري لنا هذا، أحضري لنا هذا، مباهاة، وإلا فالبيت لا يحتاجها، ومع هذه البلوى تقدمُ هذه الخادمة بدون محرم، وربما تكون شابة جميلة، وربما يخرج الرجل من بيته وليس فيه إلا ابنه الشاب أو أخوه الشاب الأعزب، فما ظنكم بخلوه بمثل هذه الخادمة، مهما كان على جانب من التقى، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فربما يغريه ويعده (وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً} [الإسراء:٦٤] لذلك أرى أنه لا يجوز جلب الخادمة إلا بشروط: الشرط الأول: الضرورة إلى وجودها كالمثال الذي ذكره السائل، امرأة ليس في البيت إلا هي ولها أربعة أولاد صغار ماذا تصنع؟ مثل هؤلاء الأولاد الصغار لو دخلت الحمام وهم خارج الحمام كان خطراً عليهم، ربما يعبثون بالنار، وربما يضرب بعضهم بعضاً، وربما يفسدون الأشياء، فهذه ضرورة فلا بد من وجود الضرورة، أما بدون ضرورة فلا؛ لأن استقدامها بدون ضرورة إضاعة للمال مع كونها سبباً للفتنة.
الشرط الثاني: أن يكون معها محرمها؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) ولكن -هذا الشرط- قد يقول بعض الناس: أنا ليس لي حاجة في محرمها وليس عندي مكان لمحرمها، البيت ليس فيه ملحق، وليس عندي شقة أخرى ولا بيت آخر، وهذا الشرط لا أستطيعه، نقول: إذا كنت لا تستطيعه حقيقة فمن الممكن أن تستأجر امرأة من البلد لتقضي حاجتك في النهار وتذهب إلى بيتها في الليل، وأما أن تأتي بها من السفر فلا.
الشرط الثالث: أن يأمن الفتنة من نفسه ومن عائلته؛ فإن لم يأمن الفتنة فإنه لا يجوز استقدامها، والدليل على أن خوف المحظور سبب للمنع، قوله تعالى:{فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}[النساء:٣] ممنوع التعدد إذا خاف ألا يعدل، وعدم العدل يوقعه في المحظور، فبين الله عز وجل أن الشيء المباح إذا خيف منه المحظور صار ممنوعاً، فلا بد من أن يأمن الإنسان على نفسه وأهله من فتنة هذه الخادمة.
الشرط الرابع: أن يلزمها بما تقتضيه الشريعة من التستر، وأعظم وأوجب وأحق ما يجب ستره هو الوجه، لأن الوجه هو محل الفتنة وهو محل الرغبة، لا يسأل عن المرأة عند خطبتها إلا عن وجهها، لو كانت بقية أعضائها من أجمل الأعضاء وأحسن الأعضاء ووجهها قبيح ما خطبها أحد، ولو كان وجهها جميلاً وكان عندها عيب أو شيء من عدم الجمال في باقي الأعضاء لخطبت، فإذا كان الوجه هو محل الرغبة ومحط الفتنة فالواجب ستره.
وأما قول السائل: إنها إذ غطت وجهها فكيف تعمل؟ فنقول: هل أنت دائماً عندها في البيت؟ هل أنت عندها في المطبخ؟ هل أنت عندها في المقهى؟ أبداً لا تكون عندها إلا إذا حضرت للغداء أو للعشاء أو للفطور، وفي هذه الحالة تأتي مغطية وجهها أو واضعة على وجهها برقعاً، أو واضعة على وجهها نقاباً، وهذا ممكن وليس فيه صعوبة، وكذلك يمنعها من الخلوة بها؛ لأن الخلوة بالمرأة غير المحرم محرمة، فلا يجوز أن يخلو بها في البيت، ولا يجوز أن يمكنها من الخلوة بأحد أبنائه، فإذا تمت الشروط جاز استقدامها، وإذا لم تتم فاستقدامها محرم، ولا يغرنك أيها الإنسان إمهال الله لك بإعطائك العافية والمال والرزق مع إقامتك على معصيته، فإنما ذلك استدراج من الله، فنسأل الله العافية.