للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضوابط عدة المرأة المفارقة]

كذلك لو طلقها في طهر جامعها فيه وهي ممن يحيض وليست بحامل فإن الطلاق حرام، لأنه إذا طلق وهو قد جامعها في هذا الطهر لا يدرى فلعلها حملت منه، وحينئذ لا ندري أطلقها لعدة الحيض أو لعدة الحمل.

الطلاق في حال الحمل واقع أو غير واقع؟ والغريب أن بعض العوام يظنون أن الطلاق في الحمل لا يقع، ولا أدري من أين أتاهم هذا، الطلاق في الحمل يقع، حتى لو جامعها الإنسان وهي حامل وطلقها قبل الغسل من الجنابة وقع الطلاق، إذاً طلاق الحامل من أوكد الطلاق وقوعاً، وإذا تم الطلاق فلا بد من عدة، فما هي العدة؟ العدة إذا كان الإنسان قد دخل بزوجته أو خلا بها لمن تحيض ثلاث حيض طالت المدة أم قصرت، فإذا كانت المرأة لا تحيض إلا في الشهرين مرة كم تكون عدتها؟ ستة أشهر، وإذا كانت المرأة ترضع والعادة أن التي ترضع لا يأتيها الحيض إلا إذا فطمت الصبي، وبقيت ترضع هذا الصبي سنتين كم تكون العدة؟ تكون العدة سنتين، وبعد أن يأتيها الحيض تعتد بثلاث حيض.

غالب الناس -مع الأسف الشديد- يظنون أن عدة الطلاق ثلاثة أشهر سواء تحيض أم لا تحيض، هذا غلط، التي عدتها ثلاثة أشهر صنفان من النساء ذكرهما الله عز وجل في سورة الطلاق فقال: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:٤] إذاً صنفان: التي يئست من الحيض إما لكبرها أو أنها أجرت عملية في الرحم انتزع الرحم منها أو غير ذلك، المهم أنها آيسة، هذه عدتها ثلاثة أشهر.

{وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:٤] يعني: الصغيرات اللاتي لم يأتهن الحيض عدتهن ثلاثة أشهر، إذاً نقول -وانتبهوا للضوابط-: المرأة المفارقة الحياة إن كان فراقها قبل الدخول والخلوة فلا عدة عليها، مثاله: رجل عقد على امرأة وتأخر الدخول، ثم بدا له أن يطلقها قبل أن يدخل بها وقبل أن يخلو بها فطلقها، أعليها عدة؟ لا، لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:٤٩] هذه ما عليها عدة.

القسم الثاني: طلقها وهي حامل، فعدتها إلى وضع الحمل طالت المدة أم قصرت لقول الله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:٤] .

الثالث: امرأة تحيض فعدتها ثلاث حيض طالت المدة أم قصرت.

الرابعة: امرأة طلقها وهي لا تحيض لصغر أو إياس فعدتها ثلاثة أشهر.

أما بالنسبة للمعتدة من الوفاة فإنهن صنفان فقط: حامل وغير حامل، الحامل عدتها وضع الحمل، وغير الحامل عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، تبدأ المدة من موت الزوج حتى لو تأخر دفنه أياماً فإن العدة من حين مات لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:٢٣٤] وهو يذرها -أي: يتركها- من حين أن يموت.

إذاً المفارقة بالموت صنفان: فإن كانت حاملاً فعدتها وضع الحمل، أو غير حامل فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام.

لو فرض أن الرجل ما دخل عليها ولا خلا بها، تزوج امرأة عقد له عليها، ثم مات قبل أن يدخل عليها، هل تعتد أو لا؟

الجواب

تعتد، هذا غير الطلاق، انظر سبحان الله! الوفاة تعتد وإن لم يدخل عليها، فلو عقد له على امرأة وهو في مكة والمرأة في المدينة ثم مات في أثناء الطريق وجب على امرأته في المدينة أن تعتد لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:٢٣٤] فإذا كانت حاملاً ومات عنها زوجها فعدتها وضع الحمل.

رجل توفي وزوجته في حالة طلق الولادة ثم وضعت قبل أن يدفن انتهت عدتها أو لا؟ انتهت عدتها وإحدادها، ما بقي شيء؛ لقول الله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:٤] ويدل لذلك أن امرأةً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي سبيعة الأسلمية رضي الله عنها؛ مات عنها زوجها ثم ولدت بعده بليال، فدخل عليها رجل يقال له أبو السنابل بن بعكك ورآها متهيئة للخطَّاب، قال لها: ما هذا؟ لا يمكن أن تتزوجي حتى يمضي عليك أربعة أشهر وعشر؟ وهي نفست في ليال، هي رضي الله عنها لما قال لها أبو السنابل هذا الكلام ذهبت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وأخبرته أنها وضعت، وأن هذا الرجل قال لها: لا يمكن أن تتزوجي إلا بعد أربعة أشهر وعشر.

فقال لها: (كذب أبو السنابل) يعني أخطأ، كذب في لغة الحجازيين في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام بمعنى أخطأ، يعني: أخطأ الرجل (لقد حللت للأزواج) وهي لم تلبث إلا ليالي.

إذاً عدة الوفاة صنفان فقط: إما أن تكون حاملاً فعدتها بوضع الحامل، أو لم تكن حاملاً فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، ابتداءً من موت زوجها لا من دفنه ولا من علمها بموته، من موته تحسب أربعة أشهر وعشرة أيام.

وبماذا تحسب الأشهر؟ تحسب أربعة أشهر وإن كان الشهر تسعة وعشرين يوماً لأن الله قال: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:٢٣٤] فإذا قدر أن الشهر الأول والثاني والثالث ناقصات كم ينقص من الثلاثين؟ ثلاثة أيام، العبرة بالأشهر لا بالأيام لأن الله يقول: {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:٢٣٤] .

والعبرة بالأشهر الهلالية.