للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكم من أكل وشرب ظاناً بقاء الليل أو دخوله ثم تبين خطؤه

ثانياً: رجل قام في ليلة من ليالي رمضان ونظر إلى الساعة فأخطأ في نظره وظن أنه في ليل فجعل يأكل ويشرب، وإذا بالإقامة تقام للصلاة فأمسك، من حين ما سمع الإقامة أمسك، لكن الإقامة أولَّها شك هل هي إقامة أو أذان؟ فلما قال: قد قامت الصلاة عرف أنها إقامة فأمسك، أيصح صومه؟ يصح صومه، نعم يصح صومه وإن كان قد أكل في النهار؛ لأنه أكل جاهلاً، لا يدري أنه في النهار، بل يظن أنه في ليل، فصومه صحيح.

فإذا قال قائل: ما هو الدليل على أن صومه صحيح؟ قلنا: لأنه أخذ برخصة الله، وقد قال الله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ} [البقرة:١٨٧] إذاً هو أكل برخصة من الله؛ لأنه ما تبين له، فليس عليه قضاء وصيامه صحيح، والدليل هذه الآية: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:١٨٧] .

أيضاً دليل آخر: قال الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦] ماذا قال الرب عز وجل؟ قال: قد فعلت.

أي: لن أؤاخذكم إن نسيتم أو أخطأتم، وهذا الرجل مخطئ أو متعمد؟ مخطئ، فليس عليه شيء {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦] هذا مخطئ وقد قال الله عز وجل: قد فعلت فالحمد لله.

أيضاً: رجل سمع المؤذن يؤذن للمغرب وهو صائم، سمع المؤذن يؤذن والدنيا مظلمة فأكل وشرب، ثم تبين أن المؤذن أخطأ، الساعة مقدمة والشمس لم تغرب، هل يلزمه القضاء أو لا يلزمه والصوم صحيح؟ الصوم صحيح يا إخواني، كيف يكون صحيحاً وقد تبين أنه أكل قبل أن تغرب الشمس؟ نقول: نعم.

هذا الرجل هل هو متعمد أن يأكل قبل أن تغيب الشمس أو مخطئ؟ مخطئ، فإذا كان مخطئاً فهذا كلام الله عز وجل: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦] فقال الله: قد فعلت.

وقال جل وعلا: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:٥] الحمد لله، فهو كريم تكرم على العباد جل وعلا، أفلا يليق بنا أن نقبل كرمه؟ بلى والله، نقبل كرمه.

ثم نقول: هذه المسألة بعينها وقعت في زمن البشير النذير محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: [أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم طلعت الشمس] أفطروا في يوم غيم بناءً أن الشمس غربت، ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالقضاء مع أنهم أكلوا قبل غروب الشمس، ولو كان القضاء واجباً عليهم لبلغهم الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لأنه إذا كان القضاء واجباً كان من شرع الله، والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم مأمور أن يبلغ شرع الله، وإذا بلغه فلا بد أن ينقل إلينا؛ لأن الشرع إلى يوم القيامة، فلما لم ينقل إلينا أنهم قضوا يومه، علمنا أن الرسول لم يأمرهم بذلك وأن صيامهم صحيح.