للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم نسبة الشر إلى الله تعالى]

السؤال

فضيلة الشيخ! ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام فيما معناه: كل يجازى بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

فوصف النبي صلى الله عليه وسلم أهل الشر بأنهم سيجازون بالشر، فهل يسمى عذابهم شراً، أو هو -أي: العذاب- شر عليهم بهذا المعنى فينسب الشر إلى الله، وهل هذا جائز أم باطل، نرجو الإجابة على هذا الإشكال؟

الجواب

أولاً: أنا أريد من السائل ألا يردد المعنى: هل كذا هل كذا هل كذا؟ كأنه يريد أن يقول: أنا أعرف كذا وأعرف كذا وأعرف كذا، يسأل يقول: ما المراد بالشر؟ أو أن هذا الحديث بهذا اللفظ لا أعرف عنه هل هو صحيح أم لا؟ الثاني: أن قول القائل: الناس مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

مأخوذ من قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:٧-٨] أي: يرى الشر، ومجازاة صاحب الشر بالشر أي: أنه يجازى بمثل ما عمل، ومجازاته بمثل ما عمل وإن كانت شراً بالنسبة له هي بالنسبة لله خير؛ لأنها عدل، والعدل كله خير، ولعل هذا السؤال يأخذنا إلى سؤال آخر أهم منه وهو: أننا نؤمن بالقدر خيره وشره، فهل في القدر شر؟ نقول: أما القدر الذي هو تقدير الله فليس فيه شر، بل كله خير، وأما القدر بمعنى المقدور الذي يقدره الله فهذا منه خير ومنه شر.

نقول: أما القدر الذي هو فعل الله فليس فيه شر؛ لأن الله لا يفعل شيئاً إلا لحكمة، حتى وإن كان شراً بالنسبة للناس فهو حكمة {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:٤١] الفساد خير أم شر؟ شر، لكن الله قدره لمصلحة عظيمة: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:٤١] فقدر الله الذي هو تقديره ليس فيه شر، والمقدور الذي هو المخلوق هذا فيه خير وشر.

فمثلاً: الإبل ينتفع الناس بها {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ} [يس:٧١-٧٣] الذئاب ينتفع الناس بها كما ينتفعون بالإبل؟ لا.

بل يجدون منها الشر، تأكل الغنم، وربما تأكل الصبيان، ففيها شر، لكن هذا الشر بالنسبة لفعل الله عز وجل ليس شراً؛ لأن الله أوجد هذا الحيوان المفترس حتى يعرف الإنسان قدر نفسه، ويعرف أن الله تعالى له الحكمة في خلق النافع وخلق الضار، ويحرص على أن يتحصن بالأذكار التي وردت محصنة لقائلها، فتجد الآن أن في خلق الذئاب وأشباهها حكمة عظيمة، وإن كانت في نفسها شراً؛ فالشر في المفعول لا في الفعل بالنسبة لله عز وجل.