[شروط الحج]
أما شروط الحج فهي خمسة جمعت في هذا البيت:
الحج والعمرة واجبان في العمر مرةً بلا توان
بشرط إسلامٍ كذا حريه عقلٌ بلوغٌ قدرةٌ جليه
الإسلام: وضد الإسلام الكفر، فالكافر لا يجب عليه الحج؛ لأنه لو حج لم يقبل منه، قال الله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة:٥٤] من المعلوم أن الكافر بالهوية لا يمكن أن يدخل مكة، هناك شرطة تمنعه، لكن المسلم بالهوية الكافر في الحقيقة يدخل مكة، مثاله: رجل لا يصلي وحج، فهل يصح حجه؟ لا.
لا يصح؛ لأن الذي لا يصلي كافر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة، فلو حج لم يكن مسلماً ولا يقبل منه، ولهذا نقول لمن ابتلوا بهذه البلية (بعدم الصلاة) صلوا أولاً، ثم حجوا، أما أن تذهبوا إلى مكة وأنتم لا تصلون فحرام عليكم أن تدخلوا الحرم؛ لأن حدود الحرم لا يحل للكافر أن يدخله، ولست أقصد بالحرم المسجد، فالحرم ما كان داخل الأميال.
الثاني: الحرية ضدها الرق، فالرقيق لا يجب عليه الحج؛ لأنه أولاً لا مال عنده، وثانياً: هو مشغول بخدمة سيده.
الثالث: العقل: وضد العقل الجنون، فلو فرض أن إنساناً كان مجنوناً -نسأل الله السلامة- لكنه غني هل يجب عليه الحج؟
الجواب
لا.
هل يحجج عنه؟ الجواب: لا.
لأن من شرط الوجوب العقل، كذلك لو فرض أن شخصاً كبيراً ليس عنده مال ثم أصابه الهرم وصار يهذي ما له عقل، ثم مات له قريب فورثه، فكان عنده مال هل يجب عليه الحج؟ لا يجب، لماذا؟ لأنه غير عاقل فلا يجب عليه الحج.
الرابع: البلوغ وضده الصغر، فالصغير لا يجب عليه الحج، لكن لو حج صح حجه إلا أنه يجب عليه إذا بلغ أن يأتي بحجة الإسلام؛ لأنه إذا حج قبل أن يبلغ فقد حج قبل أوانه فصار كالذي يصلي قبل الوقت لا تجزئه عن الفريضة، لو صلى إنسان قبل أذان الظهر يعني: قبل زوال الشمس، نقول: لا تجزئك عن الفريضة، ولا بد أن تصلي بعد دخول الوقت.
الشرط الخامس: القدرة على الحج، القدرة بالبدن والقدرة بالمال، فمن كان قادراً ببدنه قادراً بماله وجب عليه أن يحج بنفسه، ولا يجوز أن يؤخر الحج، لا يقول: هذه السنة أريد أن أتريث والسنة الثانية أحج؛ لأنه لا يعلم ما يعرض له، ربما تأتي السنة الثانية وهو عاجز أو فاقد للمال أو ميت هالك، فلا يجوز أن يتأخر؛ هذا إذا كان قادراً بماله وبدنه.
إذا كان قادراً بماله لكنه عاجز ببدنه عجزاً لا يرجى زواله كإنسان غني لكنه كبير السن أو مشلول أو ما أشبه ذلك، فهنا نقول: أقم من يحج عنك، الدليل: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت: (يا رسول الله! إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج شيخاً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم) قالت: فريضة الله، فأقرها على هذا القول، فدل ذلك على أن العاجز ببدنه لا تسقط عنه الفريضة ما دام عنده مال.
إذا كان عاجزاً بماله قادراً ببدنه يلزمه أن يحج بنفسه مثل أن يكون من أهل مكة ليس عنده مال لكن يستطيع أن يخرج إلى عرفة ومزدلفة ومنى بكل سهولة، نقول: يجب عليك أن تحج؛ لأنك قادرٌ ببدنك.
حسن إذا كان عاجزاً بالمال والبدن فلا شيء عليه والحمد لله.
من ذلك -أي: من القدرة على الحج- أن يكون للمرأة محرم، فمن لا محرم لها لا حج عليها، حتى لو بلغت أربعين سنة أو خمسين سنة أو أكثر، فلتهنأ بالعافية ولا تحزن؛ لأن الحج ليس فريضة عليها لعدم وجود المحرم، فلو لقيت ربها للقيت ربها غير عاصيةٍ في ترك الحج، بل هي ممتثلة لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) .
لقد كان بعض النساء تتألم وتحزن إذا لم تجد محرماً، فنقول: الحمد لله لا تألَّمي ولا تحزني؛ لأن الحج لا يجب عليك، وهنا أسألكم: هل الفقير الذي لا زكاة عليه يندم ويحزن لأنه لم يزك، الجواب: لا يندم ولا يحزن؛ لأنه لم تجب عليه الزكاة، وإن كان يتمنى أن عنده المال فيتصدق، فنقول: الحمد الله أيتها المرأة المسلمة إنك إذا تركت الحج لعدم وجود المحرم فقد أطعت الله ورسوله حيث قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) .
حسن إذا قال قائل: لماذا لا تجعلونها كالشيخ الكبير تنيب من يحج عنها؟ قلنا: لا نقول هذا؛ لأنه لا يجب عليها الحج حتى يجب عليها أن تنيب من يحج عنها، فهي لم يجب عليها الحج.
ما رأيكم في امرأة ليس لها محرم فقالت لرجل له ثلاثون سنة: أريد أن أرضعك لتكون محرماً لي وعمره ثلاثون سنة! وصارت تحلب له خمسة أيام من لبنها ليشرب، فرضع خمس مرات، ما تقولون؟ الجواب: لا يصلح؛ لأنه فاته وقت الرضاعة، فالكبير لا يتغذى بالرضاع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة) المعنى: الرضاعة المؤثرة هي التي يندفع بها الجوع ويحتاج الطفل إليها، أما الكبير فلا ينفعه الرضاع ولو رضع مائة مرة.
ومن الاستطاعة: ألا يكون على الإنسان دين، فإن كان عليه دين نظرنا: إن كان الدين حالاً وجب عليه أن يقضي الدين أولاً، ثم إن بقي شيء حج به وإلا فلا حج عليه، وإن كان مؤجلاً نظرنا إذا كان هذا الدين المؤجل إذا حل وجد عنده -أي: عند هذا الإنسان- رصيداً فليحج سواءً راجع من له الدين أو لم يراجعه، ما دام الدين مؤجلاً وهو واثق من نفسه أنه إذا حل القسط يستطيع دفعه، فهنا نقول: حج، ومن ذلك إذا كان الإنسان عليه أقساط للبنك العقاري، فقال: القسط قدره اثنا عشر ألفاً وأنا ليس عندي إلا ثلاثة آلاف، نقول: ليس عليك حج إلا إذا وثقت أنك إذا حل القسط أديته فتوكل على الله حج.
أقول بارك الله فيكم الذي عليه الدين سنقسمه إلى قسمين: الأول: الحال، فنقول: أوف الدين ثم حج.
الثاني: المؤجل، فنقول: إذا كنت تعلم من نفسك أنه إذا حل الأجل فعندك قدرة على الوفاء فحج؛ سواءً استأذنت من صاحب الدين أو لا، أما إذا كان ليس عندك ثقة من نفسك لا تحج، فإذا قال: أنا أرغب في الحج فالحج واجب، قلنا: لا.
ما هو بواجب عليك، وإذا كنت صادقاً فكن راغباً في قضاء الدين؛ لأن الدين أمره خطير خلافاً لمن يتساهل فيه، ألم تعلموا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي قال الله عنه: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨] أنه إذا قدمت إليه جنازة يصلي عليها كان لا يصلي عليها إذا كان عليه دين، قدم رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليصلي عليه، فلما خطا خطوات سأل: (هل عليه دين؟ قالوا: نعم.
عليه ديناران، فتأخر وقال: صلوا على صاحبكم) الله أكبر، يا لها من مصيبة على أهل الميت! يتراجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الصلاة عليه! صعبة جداً جداً.
فقام أبو قتادة رضي الله عنه وقال: (يا رسول الله! الديناران عليَّ، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: حق الغريم وبرئ منهما الميت؟ قال: نعم.
يا رسول الله! فتقدم وصلى) هذا يدل على أن الدين أمره عظيم، حتى الشهادة وهي القتل في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين فلا تكفره، صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا تتهاون بالدين، الآن تجد بعض الناس يتهاون؛ تجده -مثلاً- يشتري بيتاً بأقساط، لماذا يا أخي؟ استأجر حتى يغنيك الله، تجده يشتري السيارة يمكن أن يجدها بعشرين ألفاً ولكن يشتري سيارة بثمانين ألفاً لماذا؟ تجد بيته مستقيماً ويكفيه، لكن يقول: أريد أن أضع فيه ديكور وأريد أن أضع فيه فرشاً غالية الثمن، هذا غلط، الدين ليس بهين، لا تتهاون بالدين، فالمنزلة الشرعية أنه عظيم فضلاً عما يقال: الدين سهر في الليل وهَمٌّ في النهار.
هذا المدين الذي قلنا أنه إذا كان دينه مؤجلاً وليس واثقاً أن يوفي عند حلول القسط، إذا لم يحج ولقي الله هل يعاقبه الله؟ لا يعاقبه؛ لأنه لم يجب عليه الحج، ولقد قال الله تعالى: {مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:٩٧] .
طالب علم عنده مكتبة يحتاجها، ولو باعها أو باع بعضها تمكن من الحج لكن يحتاجها، هل نقول: بع من مكتبك ما تحج به؟ الجواب: لا.
لا نقول بع، ما دمت تحتاج إلى هذه الكتب ولو كانت غالية الأثمان وليس عندك دراهم فإنه لا يلزمك أن تبيع منها وتحج؛ لأن هذا مما يحتاجه الإنسان.
كذلك -مثلاً- في البيت أواني يحتاجها في الشهر مرة أو في السنة مرة هل نقول: بعها وحج، أم نقول: لا حج عليك؟ الجواب: هو الثاني (لا حج عليه) لأن هذه من حوائجه، والدين والحمد لله يسر ليس فيه مشقة ولا تعسير.
وإلى هنا ينتهي هذا الكلام، وإن شاء الله في الدرس القادم سنذكر بحول الله محظورات الإحرام وكيفية الحج، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً، ونكمل هذا اللقاء بالإجابة على الأسئلة، وأرجو من الجميع أن ينتبهوا ويتابعوا الجواب على الأسئلة، لا يقول أحدكم: أنا لم أقدم سؤالاً ويبقى في هواجس فيضيع عليه الوقت، فانتبهوا فربما يأتي في الأسئلة أشياء أهم مما سمعتم.