ما الواجب في الجنابة؟ اسمع قول الله عز وجل:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا}[المائدة:٦] كلمة واحدة: {فَاطَّهَّرُوا}[المائدة:٦] فالذي عليه الجنابة ليس عليه إلا أن يطهر، ما عليه وضوء، عليه أن يطهر فقط؛ لأن الله ذكر الوضوء في مقابل الحدث الأصغر، الجنابة ما ذكر إلا كلمةً واحدة وهي:{فَاطَّهَّرُوا}[المائدة:٦] فلنسأل أولاً: من الجنب؟ الجنب: هو الذي أنزل المني بلذة، أو جامع زوجته وإن لم ينزل، فمتى جامع الرجل زوجته فقد أجنب سواء أنزل أم لم ينزل، ومن أنزل منياً لشهوة فقد أجنب سواء جامع أم لم يجامع، حتى لو فكر الإنسان وأنزل منياً فهو جنب يجب عليه الاغتسال.
فلو أن الإنسان اغتسل فغسل أسفل جسمه قبل أعلاه فذلك يصح؛ كأن بدأ بغسل أفخاذه وسيقانه وأسفل بطنه، ثم أفاض الماء على أعلى جسده، أيجوز أو لا؟ يجوز.
لماذا؟ لأن هذا يصدق عليه أنه تطهر؛ إذا عمم بدنه بالماء فقد تطهر، لكن لا شك أن الأفضل في الغسل أن يفعل الإنسان ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام، فماذا فعل الرسول عليه الصلاة والسلام في الغسل؟ نظف فرجه من آثار الجنابة، ثم توضأ وضوءه للصلاة، أي: وضوءاً كاملاً بالمضمضة والاستنشاق وغسل الوجه واليدين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين، ثم أفاض على رأسه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده، ثم صلى، هذه كيفية الغسل المسنونة المستحبة.
وأما إفاضة الماء على الجسد كله بدون هذا الترتيب فهو الغسل الواجب، وهو مجزئ ويكفي، وقد صلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم بأصحابه فإذا رجل منعزل لم يصل، قال له الرسول:(تعال، ما الذي منعك أن تصلي؟ قال: يا رسول الله! أصابتني جنابة ولا ماء؟) إذا أصابته جنابة يجب عليه؟ الغسل، والرجل لا يدري أن التيمم يكفي، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(عليك بالصعيد فإنه يكفيك) يريد بذلك التيمم، (فإنه يكفيك) يعني: عن الاغتسال.
والظاهر أن الرجل تيمم وصلى، ثم جيء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بماء في مزادة -قربة كبيرة- وكان القوم عطاشاً فاستقوا وسقوا الركاب، ومن توضأ توضأ، فبقي شيء فأعطاه الرجل وقال له:(خذ هذا فأفرغه على نفسك) أي: عن غسل الجنابة، ولم يقل له الرسول: توضأ أولاً وأفض على رأسك ثلاثاً، قال:(أفرغه على نفسك) فدل هذا على أن الإنسان إذا اغتسل من الجنابة فعم بدنه بالماء كفاه على أي صفة كان.
وعليه فلو انغمس الإنسان في بركة أو في غدير -مجتمع ماء- بنية الغسل من الجنابة، ثم خرج وتمضمض واستنشق ومضى وصلى، فإن ذلك يجزئ؛ لأنه تطهر وتمضمض واستنشق، فارتفعت عنه الجنابة.