للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حمل المسئولية على عموم الناس]

رابعاً: أحمل بقية الناس الذين يعلمون ما يحصل في هذه الأحواش أو في هذه الاستراحات أحملهم أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من النصيحة، ينصحون إخوانهم، أرأيت لو أن ناراً استعرت وأقبل الناس إليها، أليس من النصيحة أن تحذرهم منها؟ بلى، من حق إخوانك عليك أن تنصحهم وتحذرهم، تكف النار عنهم أو تكفهم عن النار، فالواجب على من علم عن أخيه أن له استراحةً أو أن له حوشاً يجتمع فيه الناس على معصية الله أن ينصحه ويحذره من عذاب الله.

يقول: يا أخي الدنيا ليست باقية، لا تدري متى تلاقي ربك، قد تصبح ولا تدرك المساء، وقد تمسي ولا تدرك الصباح، اتق الله.

ثم اذكر أنك متى اتقيت الله جعل لك من أمرك يسراً متى اتقيت الله رزقك من حيث لا تحتسب متى اتقيت الله جعل لك مخرجاً من كل ضيق وانصحه فلعل الله أن يهديه، وإذا هداه الله على يديك اكتسبت خيراً كثيراً.

ثم إذا قُدِّر أنه ليس في الإنسان إقدام على النصيحة إما لعجزه أو خجله أو خوفه ممن يوجه النصيحة إليه فعليه أن يبلغ من يستطيع نصحه ومنعه؛ لأن سكوتنا عن شيء نشاهده بأعيننا أو نسمعه بآذاننا وهو محرم دون نصح أو محاولة للإصلاح خطأ عظيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) أنت وأخوك شيء واحد، إذا انحرف واحد من الشباب فيعني ذلك أنه نقص نقص هذا الواحد، أو نقص قوة تماسكه وسلامته؟ الأمرين، نقص هذا المنحرف خسارة، أيضاً يعتبر هذا النقص الذي حصل للمجتمع خللاً في الجميع، ومن الأمثلة العامة يقولون: إن البئر إذا سقط منه حصاة فالبئر كله خراب؛ لأنه يختل كل البناء، والرسول عليه الصلاة والسلام بين أن المجتمع الإسلامي كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وأما السكوت على الباطل فلا.

فإن قال قائل: أرأيت لو أن الإخوة أو الأقارب اجتمعوا في واحد من هذه الأحواش أو في الاستراحة للتآلف والتعارف، وإلقاء أطراف الحديث لتزول الوحشة لكن من غير شيء محرم فهل هذا جائز؟

الجواب

جائز، لكن ليكن بقدر معلوم، لا يمضوا أكثر الليل في هذا المكان، لأنه مهما كان الأمر إذا أمضوا أكثر الليل في هذا المكان فسوف ينفد ما عندهم من الكلام النافع، ويبقى الكلام اللغو أو المحرم، فليكن هذا بقدر الحاجة بحيث إذا حصلت الفائدة انفضوا، ونحن لا يمكن أن نحجر على عباد الله ونقول: لا تفرحوا، لا تستأنسوا، لا تجتمعوا غير ممكن، الصحابة لما قال لهم الرسول عليه الصلاة والسلام: (إياكم والجلوس على الطرقات! قالوا: يا رسول الله! هذه مجالسنا مالنا منها بد -أقرهم على ذلك- لكنه قال: أعطوا الطريق حقه) .

نحن لا نقول: لا تجتمعوا في هذا! ولو قلنا هذا ما أطاعنا الناس، ولا نقوله أيضاً لكن نقول: ليكن جلوسكم على خير، تآلف، تعارف، تجاذب أطراف الحديث النافع هذا طيب.

هناك قسم ثالث يجتمعون على كتاب الله، وعلى ذكر الله، وعلى التناقش في مسائل العلم، وهذا لا شك أنه في قمة المجالس؛ لأنه ما اجتمع قوم على ذكرٍ إلا كان ذلك خيراً لهم، وهذا يعتبر في قمة المجالس.

فتبين الآن أن الجلوس في هذه الأماكن ينقسم إلى ثلاثة أقسام: ١- قسم خير محض.

٢- قسم شر محض.

٣- قسم لغو لكن قد يكون خيراً وقد يكون شراً حسب ما يؤدي إليه.

ولنقتصر على هذا القدر من الكلام، ونسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يجمع كلمتنا على الحق، وأن يجعلنا من الهداة المهتدين والقادة المصلحين.

أما الآن فإلى الأسئلة، وأحثكم على أن تكون أسئلتكم واضحة وصريحة بقدر الإمكان؛ لأن الصراحة في السؤال تدل على صدق السائل، وأنه يريد الوصول إلى الحق، لقد جاءت أم سليم وهي امرأة تقول: (يا رسول الله، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت) صرحت، وطُلِقت امرأة طلقها زوجها ثلاثاً فتزوجها رجل، لكنه لم يجامعها، ولم ترض به، فأرادت الرجوع إلى الزوج الأول، وجاءت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام تقول له: (إني نكحت فلاناً وليس معه إلا مثل هدبة الثوب.

وأمسكت بثوبها ونفضته) تعني بذلك: أنه لم بجامعها، ليس معه شيء، هذا كلام يمكن لا يستطيع الرجل أن يعبر به، لكنها امرأة صارت صريحة، فالصراحة -كما قيل- هي الراحة، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق.