للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الجمع بين صلاتي الظهر والعصر للمطر]

السؤال

فضيلة الشيخ نحن في هذه الأيام نعيش فصل الشتاء وهو موسم الأمطار، ولقد حدث في مسجد حينا أن أم الناس في صلاة الظهر أحد الإخوة، وهو يصلي بالناس كان المطر يتساقط وبعد أن انصرف من صلاته شاور الجماعة ما تقولون: أنجمع صلاة العصر مع الظهر، وبعد أن كرر ذلك ثلاث مرات أجابه أحدهم: بأن يتوكل على الله ويجمع، سؤالي: ما رأي فضيلتكم في جمع صلاة العصر مع الظهر جمعاً، وما تقولون في مثل هذه الاستشارة؟

الجواب

أولاً أقول: إن الله تعالى فرض الصلاة على العباد فرضاً مؤقتاً محدداً، فقال جل وعلا: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:١٠٣] لكن هذه الآية دلت عليه إجمالاً لا تفصيلاً، لكن فصلها رسوله عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ} [النساء:١٧٠] جاءنا بالحق عليه الصلاة والسلام وجزاه الله عنا خيراً، قال عليه الصلاة والسلام: (وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر، ووقت العصر إلى أن تصفر الشمس، ووقت المغرب إلى مغيب الشفق الأحمر، ووقت العشاء إلى نصف الليل، ووقت صلاة الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) وقتها الرسول بينها حددها حداً واضحاً يتميز به كل وقت صلاة عن الآخر.

فإذا قدم الإنسان صلاة قبل وقتها، ولنقل: إنه كبر للظهر وصلى ركعة قبل أن تزول الشمس هل تصح صلاته؟ لا تصح، لماذا؟ لأنه ما دخل الوقت فصلاها قبل أمر الله ورسوله بها، وقد ثبت عن النبي صلى عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود غير مقبول، الله عز وجل يقول: صل لي بعد زوال الشمس، وأنت تصلي قبل زوال الشمس!! العصر متى يأتي وقتها؟ إذا صار ظل الرجل كطوله دخل وقتها، هذا رجل صلاها مع الظهر هل تقبل؟ لا تقبل، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) لا تقبل بأي حال من الأحوال إلا بعذر شرعي قام عليه الدليل.

ومن العذر الشرعي: إذا كان الإنسان مريضاً، ويشق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها نقول: اجمع الظهر مع العصر جمع تقديم أو تأخير حسب المتيسر لك، واجمع المغرب مع العشاء.

المطر: اختلف العلماء رحمهم الله: هل يجوز الجمع للمطر أو لا يجوز؟ فمنهم من قال: لا يجوز أبداً، لا في صلاة الظهرين ولا في صلاة العشائين.

ومنهم من قال: يجوز الجمع بين صلاة المغرب والعشاء دون الظهر والعصر.

وهذا هو مذهب الحنابلة الذي عليه عامة علماء هذه البلاد، يقولون: الجمع بين الظهر والعصر حرام، ولا تقبل صلاة العصر، وإنما الجمع بين المغرب والعشاء فقط؛ لأنه الذي يحصل به المشقة، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة الذي عليه عامة علماء أهل هذه البلاد.

وقال بعض العلماء: يجوز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، إذا وجد السبب الشرعي.

وهذا القول أصح وأرجح؛ لأنه ثبت في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر) هذا كلام ابن عباس، وابن عباس من فقهاء الأمة وحفاظها.

فالصحيح: أنه يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء إذا وجد السبب الشرعي.

ابن عباس عندما حدث بهذا الحديث لم يتركه الناس، لأننا لو أخذنا بهذا الحديث على إطلاقه لفاتت الفائدة من تحديد وقت الصلاة، فلو قلنا: اجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء لعذر أو لغير عذر، صار تحديد الرسول عليه الصلاة والسلام لوقت الصلاة لا عبرة به، ولهذا ناقشه الناس، قالوا: يا ابن عباس! ما أراد إلى ذلك؟ لماذا يفعل هذا؟ قال: (أراد ألا يحرج أمته) والمعنى: ألا يلحق الأمة حرجٌ إذا لم يجمعوا.

فنقول لمن جمع بين الظهر والعصر: هل أنت حين جمعت ترى أن الناس يلحقهم حرج ومشقة لو حضروا لصلاة العصر، أم لا؟ الغالب أنه لا يلحقهم، هذا هو الغالب، وقد قال العلماء رحمهم الله: لا يجوز الجمع للمطر، إلا لمطر يبل الثياب وبللها معناه: أنه لو عصرت الثياب لخرج منها المطر، ليس مجرد النقطة والنقطتين، إلا لمطر يبل الثياب، وتوجد معه مشقة احترازاً مما لو جاء المطر في أيام الصيف، أيام الصيف يفرح الواحد إذا جاء ثوبه ماء يبرده، ما في مشقة، لكنهم قالوا: لا بد من مطر يبل الثياب، وتوجد معه مشقة.

وليسأل هذا الإمام الذي شاور الناس وسكتوا ثم في المرة الثالثة أجابه شخص يمكن لا يعرف الحكم، وقال: توكل على الله اجمع.

نقول له: هل بربك تعتقد أن المطر يبل الثياب ويشق على الناس أن يأتوا إلى العصر؟ لا بد أن يتحقق الإنسان هذا، وأما التلاعب بدين الله، وبعض الناس أدنى نقطة يقول: (من غير خوف ولا مطر) هكذا قال ابن عباس، هكذا في صحيح مسلم، طيب، لا تكن كالذي قال: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:٤] وسكت لم يقل بعدها: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:٥] ابن عباس رضي الله عنه لما حدث بهذا الحديث ناقشه الصحابة قالوا: لماذا؟ قال: (أراد ألا يحرج أمته) أنت إذا فعلت مثلما يدل عليه حديث ابن عباس فعلى العين والرأس، أما مجرد نقطة مطر أو بلل في الأرض والسماء واقفة فهذا لا يجوز، يب هذا تلاعب بدين الله، أن يقدم الصلاة عن وقتها بدون عذر شرعي مثل من فعل أكبر كبيرة، مع أننا لو شاهدنا أحداً يزني أو يشرب الخمر أنكرنا عليه، الصلاة قبل وقتها بدون عذر شرعي أكبر من هذه لماذا؟ لأن إضاعة الصلاة ركن من أركان الإسلام، ليست هينة، المسألة ليست لعباً، وفقه الشرع ليس إلى المبتدئين في العلم، بل إلى العلماء الذين رسخوا في العلم، وعلموا موارد الشريعة ومقاصدها، ليس إذا عرف الإنسان حديثاً واحداً يقول: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا، ليس بصحيح هذا، اتق الله -يا أخي- بنفسك، واعلم أنك مسئول يوم القيامة، يسألك الله عز وجل: لماذا تعديت حدودي؟ لماذا أذنت للناس بصلاة قبل دخول وقتها بدون عذر؟ لا بد للإنسان أن يتقي الله عز وجل في عباد الله وفي نفسه أولاً.

ولقد حدثت أن قوماً صلوا الجمعة -لكن في غير عنيزة - وصلوا معها العصر، انظر الجهل المركب، جهل مركب إلى أبعد الحدود، من قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين العصر والجمعة؟ ائتوا لنا بحديث صحيح أو ضعيف أنه جمع بين العصر والجمعة، وقياس الجمعة على الظهر خطأ؛ لأن بينهما من الفروق ما يمتنع معه القياس، الفروق بين الجمعة والظهر أكثر من عشرين فرقاً، الجمعة صلاة مستقلة بوقتها وشروطها وأحوالها ومكانها، كل البلاد يمكن أن تصلي الظهر في كل مسجد، بل يمكن أن يصلي أهل المكاتب في مكاتبهم على قول بعض العلماء، لكن الجمعة يجب أن تكون في مكان واحد في البلد إلا للضرورة كتباعد الأحياء، أو ضيق المكان، أو ما أشبه ذلك، فكيف يقاس هذا على هذا؟! أليست الشريعة حدوداً حدها الله؟! هل أنزل في كتابه، أو على لسان رسوله، أو بفعل الرسول عليه الصلاة والسلام أنه جمع بين العصر والجمعة؟! أنا أتحدى أي واحد، أي إنسان يقف على حديث صحيح أو ضعيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين العصر والجمعة فليتفضل بإرشادنا إليه، وإلا فليتق الله في أمة محمد، لا يتلاعب، ولهذا قيل لي: إنه صدرت فتوى من لجنة الإفتاء في الرياض بأن على هؤلاء القوم أن يعيدوا صلاة العصر؛ لأنهم تعدوا حدود الله، قدموا العصر قبل دخول وقته، وكذلك يقال أيضاً في العصر مع الظهر: إذا لم يكن هناك سبب شرعي يبيح الجمع.