الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا لقاؤنا معكم الثابتُ في كل شهر، في السبت الثالث من كل شهر ليلة الأحد، يتم هذا في شهر رجب عام ثمانية عشر وأربعمائة وألف، وبما أننا في مستقبل الشتاء فإن حديثنا في هذه الليلة سينحصر فيما يتعلق بالطهارة، وقبل أن نبدأ بهذا الموضوع نحب أن نعلق بعض الشيء على ما جاء في سورة البروج في قول الله تبارك وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}[البروج:١٠] هؤلاء الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات هم أصحاب الأخدود، الذين حفروا في الأرض أخاديد وأوقدوا فيها النيران العظيمة، وعرضوا عليها المؤمنين، فمن استمر على إيمانه ألقوه فيها، ومن كفر نجا منها لكنه لن ينجو من نار الآخرة والعياذ بالله.
هؤلاء القوم يفعلون بالمؤمنين هذا الفعل الشنيع، وهم على هذه النار قعود يتفرجون عليها وكأن شيئاً لم يكن، وهذا يدل على قسوة قلوبهم -والعياذ بالله-، وعلى جبروتهم، وعلى شدة محاربتهم لدين الله عز وجل؛ هؤلاء الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات عرض الله عليهم التوبة فقال:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}[البروج:١٠] وفي قوله: {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا}[البروج:١٠] دليل على أنهم لو تابوا لقبل الله توبتهم ونجاهم من عذاب جهنم وعذاب الحريق.
وعلى هذا نفهم من هذه الآية الكريمة: أن التوبة من الذنوب مهما عظمت فإن الإنسان ينجو من عقابها؛ لأن من صفات الله عز وجل العظيمة أن رحمته سبقت غضبه، واعلم أخي المسلم أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والسيئة قال الله تعالى عنها:{مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا}[غافر:٤٠] .
إذا تاب العبد من الذنوب مهما عظمت فإن الله تعالى يتوب عليه، قال الله تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر:٥٣] واعلم أن قنوطك من رحمة الله، ويأسك من رحمة الله أعظم من ذنبك، كل الذنوب وإن عظمت فإنها في جانب عفو الله يسيرة سهلة {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[يس:٨٢] .
فإذا تاب العبد توبةً نصوحاً خالصةً لله -جعلني الله وإياكم من التائبين، اللهم اجعلنا من التوابين المتطهرين يا رب العالمين- فإن الله يتوب عليه.
واعلم أن التوبة من الذنوب واجبة على الفور لا يجوز للإنسان أن يؤخر فيها، فيبقى على ذنبه وعلى جرمه ويعتمد على التسويف، فيقول لنفسه: إن الله غفور رحيم، ولكن يجب أن يعلم الإنسان أن الله غفور رحيم لكنه شديد العقاب لمن بارزه بالعصيان، استمع إلى قول الله عز وجل:{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المائدة:٩٨] وبعدها: {وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المائدة:٩٨] فبدأ بشدة العقاب، واتل قول الله تعالى:{نَبِّئْ عِبَادِي}[الحجر:٤٩] يعني: أخبرهم {أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}[الحجر:٥٠] .
فيجب على العبد أن يتوب إلى الله فوراً، إن كان فرط في واجب وهو مما يمكن قضاؤه وتداركه فليفعل، إن كان قد فعل محرماً فليقلع فوراً بدون تأخير؛ وذلك لأن للتوبة شروطاً لا بد من مراعاتها: