حرارته، كأنه ينزعه ويسلخه مثل اللحم إذا أصابه أو ما أشبهه، ويمكن أن يكون جارّ لغة فِي يار، كما قالوا: الصهاريج والصهاري، وصهريج وصهرى، وصهرى لغة تميم، وكما قالوا: شيرة للشجرة وحقّروه فقالوا: شييرة، قَالَ الرياشي: قَالَ أَبُو زيد: كنا يوماً عند المفضّل وعنده الأعراب فقلت: أيّهم يقول شيرة؟ فقالوها، فقلت له قل لهم يحقّرونها، فقالوا: شييرة،
اذا لم يكن فيكنّ ظلّ ولا جنى ... فأبعدكن الله من شيرات
فقلت: يا أم الهيثم صغريها، فقَالَت: شييرة ويمكن أن يكونوا أبدلوا من الحاء هاء، كما قالوا: مدحته ومدهته، والمدح والمده، ثم أبدلوا من الهاء ياء، كما أبدلوا فِي هذه وهذي، وهذا الإبدال قليل فِي كلامهم، فقد حكى الرّؤاسيّ عَنِ العرب أنهم يقولون: باقلاء هارّ، ويقولون: خاسر دابر، وخاسر دامر، وخسر دمر، وخسر دبر، فالدابر يمكن أن يكون لغة فِي الدامر وهو الهالك، ويمكن أن يكون الدابر الذي يدبر الأمر أي يتبعه ويطلبه بعد ما فات وأدبر، ومنه قيل لهذا الكوكب الذي بعد الثريا: الدبران، لأنه يدبر الثريا، ومنه الرأي الدّبريّ، وهو الذي لا يأتي الا عَنْ دبر، يُقَال: فلان لا يأتي الصلاة الأدبريا أي فِي آخرها، ويمكن أن يكون الدابر الماضي الذاهب، كما قَالَ الشاعر:
وأبى الذي ترك الملوك وجمعهم ... بصهاب هامدةً كأمس الدابر
أي الذاهب الماضي: ويقولون: ضالُّ تالُّ، فالتالُّ: الذي يتلُّ صاحبه أي يصرعه، كأنه يغويه فيلقيه فِي هلكة لا ينجو منها، ومنه قوله عز وجل:{وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}[الصافات: ١٠٣] وقَالَ أَبُو بَكْرِ بن دريد: كل شيء ألقيته عَلَى الأرض مما له جثَّة فقد تللته، ومنه سمَّي التَّلُّ من التراب، وقَالَ بعض أهل العلم: رمح متلّ إنما هو مفعلُ من التَّلَّ، وأنشد:
فرّ ابن قهوسٍ الشجاع ... بكفّه رمح متلّ
يعدو به خاظى ... البضيع كأنّه سمع أزلّ
الخاظي: الكثير اللحم، والبضيع: اللحم.
ويقولون: جائعٌ نائعٌ، فالنائع فيه وجهان: يكون المتمايل، وأنشد أَبُو بَكْرِ بن دريد: مثاله مثل القضيب النائع.