اتفق الفقهاء على أن المنافع في عقد الإجارة يجب أن تكون مقدورة الاستيفاء , فما لا يقدر المؤجر على تسليمه من المنافع حسا أو شرعا لا يجوز العقد عليه.
فلا تجوز إجارة متعذر التسليم حسا: كإجارة البعير الشارد والسيارة المفقودة , والأخرس للكلام , أو شرعا: كإجارة الحائض لكنس المسجد , والطبيب لقلع سن صحيحة , والساحر على تعليم السحر. وهذا متفق عليه بين الفقهاء.
كيفية التسليم في الإجارة على منافع الأعيان
والقدرة على التسليم في الإجارة على منافع الأعيان تشمل ملك الأصل وملك المنفعة , فإن غير المالك لا يستطيع تمليك غيره حسا , وما لا يجيزه الشرع لا يكون مقدور التسليم شرعا وإن كان ممكنا حسا.
كيفية التسليم في الإجارة على منافع الإنسان
أما في الإجارة على منافع الإنسان , فإن القدرة على التسليم تتمثل في إمكانية أداء العمل من العامل حسا وشرعا , ويكون العقد باطلا إذا كان أداء العمل غير ممكن شرعا كالتعهد بقتل نفس دون حق ونحوه , كما يبطل إذا كان أداء العمل مستحيلا فعلا مثل تعهد العامل بتدريس الطب أو إصلاح سيارة وهو يجهله أو التعهد بنقل جبل. ولكن إذا ظهر من إرادة العاقدين في العقد أنهما اتفقا على أداء الأجير العمل بنفسه أو بواسطة غيره فإن العقد يصح لأن المتعهد وإن كان لا يقدر على الأداء إلا أن هناك أناسا يمكنهم ذلك.
ويترتب على اشتراط القدرة على استيفاء المنفعة:
أنه لا يصح عند الحنفية على الراجح , والشافعية والحنابلة استئجار الفحل للإنزاء , واستئجار الكلب المعلم والبازي المعلم للاصطياد , لأن المنفعة معجوزة التسليم في حق المستأجر لأنه لا يمكن إجبار الفحل على الضراب والإنزال , ولا إجبار الكلب والبازي على الصيد ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل أي أجرة ضرابه.
وأجاز الإمام مالك هذا العقد إذا كانت الإجارة على مدة معلومة , تشبيها للمذكور بسائر المنافع.
إجارة المشاع
لا تجوز إجارة المشاع من غير الشريك عند أبي حنيفة وزفر والحنابلة , كأن يؤجر نصيبا من داره , أو نصيبه من دار مشتركة من غير الشريك , سواء أكان النصيب معلوما كالربع ونحوه أم مجهولا , لأن منفعة المشاع غير مقدورة الاستيفاء , إذ استيفاءها يكون بتسليم المشاع , والمشاع غير مقدور التسليم بنفسه , لأنه سهم شائع ضمن كل , وإنما يتصور تسليمه مع غيره , وهو غير معقود عليه , فلا يتصور تسليمه شرعا.
وذهب الجمهور إلى جواز إجارة المشاع لأن الإجارة أحد نوعي البيع , فتجوز إجارة المشاع كما يجوز بيعه , والمشاع مقدور الانتفاع بالتخلية والمهايأة ولهذا جاز بيعه.
وأما إذا كانت الإجارة للمشاع من الشريك بمعنى إجارة أحد الشريكين منفعة حصته , فهذه الإجارة للشريك جائزة باتفاق الفقهاء لأن المعقود عليه مقدور الاستيفاء بدون المهايأة , لأن منفعة كل الدار تحدث مثلا على ملك المستأجر لكن بسببين مختلفين: بعضها بسبب الملك , وبعضها بسبب الإجارة.