للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكسب الخبيث تشكيل النص]

الربا

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء أخرجه مسلم.

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل ... (إلى أن قال) , فمن زاد أو ازداد فقد أربى , بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد. . . وفي رواية: فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد أخرجه مسلم.

وفي رواية أخرى: لا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد , وأما النسيئة فلا أخرجه أبو داود.

معنى الربا في اللغة الزيادة , ومعناه شرعا: فضل خال عن العوض المشروط في المعاوضة.

وهو ينقسم إلى:

ربا الفضل

وهو الزيادة في مقدار احد البدلين المتماثلين , وغالبا تقع هذه المعاملة عند جودة أحد البدلين.

والطريقة المشروعة هي بيع الرديء بالنقود , وشراء الجيد بها حسب الثمن المتفق عليه.

ربا النسيئة

وهو الزيادة في الدين نظير التأجيل , وكان الدائن في الجاهلية يقول للمدين: (زدني أنظرك) أي أخر الأجل لقاء الزيادة , أو يقول: (أتقضي أو تربي) .

ربا القرض

وهو النفع الذي يشترطه المقرض على المقترض , بزيادة المبلغ المسترد , أو بمنفعة مع المبلغ.

والقاعدة في ذلك أن كل قرض جر نفعا للمقرض فهو ربا.

والربا في الأنواع الثلاثة محرم شرعا , وقد ثبت تحريمها بالقرآن والسنة وإجماع الفقهاء وهو قائم على الظلم لأن المتعامل بالربا لا يتحمل المخاطرة إذ ينفرد بها المقترض ومع ذلك يحصل المقرض على زيادة عن أصل ماله.

قال الله تعالى {وأحل الله البيع وحرم الربا} وقال: {وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} .

والربا مدمر لاقتصاد الأمة , لأن فيه تعطيلا لطاقات الاستثمار المنتج , وزيادة في أعباء الآخرين دون المبادلة المتكافئة في السلع والمنافع , وهو يخرج النقود عن دورها الاقتصادي في إنها وسيلة للتبادل ومعيار للقيم فيجعلها سلعة بذاتها. والفوائد البنكية هي من ربا القرض , وربا النسيئة , وهي محرمة , والبديل الإسلامي عنها هو المشاركة في الربح الناتج عن استثمار الأموال مع تحمل المخاطرة , وهو ما قامت لأجله البنوك الإسلامية.

بيع العينة

عن ابن عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ضن الناس بالدينار والدرهم , وتبايعوا بالعينة , واتبعوا أذناب البقر , وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفع حتى يراجعوا دينهم وفي رواية سلط الله عليهم ذلا لا ينزعه حتى يرجعوا إلى ربهم أخرجه أحمد في مسنده , وأبو داود في سننه.

ومعنى العينة في اللغة: السلف والتأجيل , وسمي هذا البيع بالعينة لأن الغرض منه تحصيل مال بأجل مع الزيادة , ويرى بعض الفقهاء أنه سمى كذلك لأن العين تسترجع.

وهو بيع شخص سلعة بثمن مؤجل ثم قيامه بشرائها من المشتري نفسه بثمن حاضر أقل.

فتعود السلعة إلى مالكها الأول ويستقر الدين في ذمة المشتري مع الزيادة لقاء الأجل.

هذا البيع حرام , لأنه حيلة إلى الربا مع ظهوره في صورة البيع لأن نتيجته أخذ مال حاضر بمقابلة مال مؤجل أزيد منه ولذلك يقول عنه ابن عباس رضي الله عنه: أرى مائة بخمسين بينهما حريرة , أي قطعة من الحرير جعلها الطرفان موضوعا للبيع بحسب الظاهر , مع قصدهما الاقتراض بفائدة تحت ستار هذه المعاملة الصورية.

ويستند تحريم بيع العينة أيضا إلى قاعدة (سد الذرائع) أي منع الوسائل المؤدية للمحرمات , لأنه وسيلة إلى المراباة.

وإبطال هذا البيع هو مقتضى القاعدة الشرعية العامة بأن العبرة في العقود للمقاصد والمعانى لا للألفاظ والمباني.

قال محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة (هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال , اخترعه أكلة الربا) .

والحكمة التشريعية في تحريمه هي نفس المعنى الموجود في الربا من انتفاء المخاطرة وتحصيل المال بدون جهد أو نفع حقيقي للاقتصاد , ولذا أشار الزيلعي إلى أنه من ربح ما لم يضمنه الإنسان , لأنه استرجع العين دون مخاطرة بثمنها.

ولا يتحقق بيع العينة لو وقع البيع الثاني على ثمن مال للأول أو بأكثر من ثمن الآجل , وكذلك لو تغيرت السلعة بمرور الزمن وتغير الأسعار , أو طرأ على السلعة نقص , لأنه ليس في هذه الحالات ذريعة إلى الربا.

بيع المحرمات أو وسائلها

قال الله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به} (المائدة: ٣)

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل: يا رسول الله , أرأيت شحوم الميتة , فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا هو حرام. أخرجه البخاري

وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب , ومهر البغي , وحلوان الكاهن. أخرجه البخاري والمراد بالكلب ما كان لغير الحراسة أو الصيد. . لهذه النصوص الشرعية أورد الفقهاء بين شروط صحة البيع أن يكون المبيع متقوما.

والتقوم معناه إباحة الانتفاع أي أن يكون للشيء قيمة في نظر الشرع.

فإذا كان للشيء منفعة محرمة فإنه ليس محلا للتعاقد عليه.

لأنه إذا كان حرام الاستعمال فإنه يحرم تمليكه , لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان , ومقتضى التحريم هو الاجتناب بشتى الصور.

عن تميم الداري رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل ثمن شيء لا يحل اكله وشربه أخرجه الدارقطني.

وكما يحرم بيع المحرمات , يحرم أيضا بيع ما هو وسيلة إليها وذلك كبيع السلاح لمن يعلم انه يستخدمه في جريمة , وبيع العنب لمن يصنعه خمرا , لأن تلك المعاملات ذريعة إلى الفساد.

والواجب على المسلم إنكار المنكر , وليس له المعونة عليه.

ومن هذا القبيل بيع وشراء الأموال المسروقة أو المغصوبة , لأن في ذلك اشتراكا مع السارق أو الغاصب في جريمته وإخفاء لمعالمها.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اشترى سرقة وهو يعلم فقد شرك في عارها. أخرجه الحاكم وصححه.

كسب المال بالمقامرة (الميسر)

قال الله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} (المائدة: ٩٠) والميسر هو القمار قال ابن عمر وابن عباس رضي الله عنه: الميسر هو القمار كانوا يتقامرون في الجاهلية إلى أن جاء الإسلام فنهاهم الله عن هذه الأخلاق القبيحة.

والقمار هو الحصول على المال بوسيلة تعتمد على المصادفة لظهور رقم معين أو نحو ذلك وهو من وجوه الكسب الخبيث ومن أكل المال بالباطل.

قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} (النساء: ٢٩)

قال ابن كثير في تفسير الأموال المأكولة بالباطل: هي المكاسب غير الشرعية , كأنواع الربا والقمار.

والمقامرات كلها حرام , سواء كانت على وجه اللعب والتسلية , أم للحصول على المال , أم في السباقات التي يراهن فيها المؤيدون لكل فريق , أو ما يلتزم بدفعه كل متسابق للآخر , بحيث يخسر أو يربح , إذ يصبح بذلك نوعا من المقامرة.

وكذلك من القمار المحرم اليانصيب الذي تطرح أوراقه للحصول عليها بمال طمعا في تحصيل المبالغ المخصصة لفئة من المتعاملين بذلك.

قال ابن الأثير كل شيء فيه قمار (أي منافسة على مال) فهو من الميسر , حتى لعب الصبيان بالجوز.

ليس من القمار (أو الميسر) ما يقدمه طرف ثالث من غير المتنافسين لمن يفوز في السباق والمسابقات الثقافية. .

لأنه في هذه الحالة يكون من قبيل الجوائز التشجيعية , فليس فيه معنى المقامرة بأن يخسر أو يربح وإنما هي هبة ممن يرغب في الحث على الموضوع المتنافس عليه , سواء كان من ولي الأمر أو من غيره.

وكذلك تجوز الهدايا التي تعطى من الباعة لترويج بضائعهم , إذا كانت تقدم بدون مقابل مستقل من المشترين للحصول على الهدية , وهي هبة يرتبط الحصول عليها بالشراء لسلعة معينة.

الرشوة

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش أخرجه الحاكم والبزار وأحمد والطبراني.

والرائش: هو الذي يتوسط بين المرتشي والراشي.

تشمل الرشوة كل ما يعطيه الشخص لغيره لإبطال حق , أو لإحقاق باطل.

سواء أعطيت للحاكم ليقضى لصالح الراشي , أو للشاهد ليشهد بالباطل , أو أعطيت للموظف ليفضل الراشي على غيره , أو أعطيت للعاملين في شركة أو متجر لمراعاة العميل على حساب مصالح الشركة.

الرشوة محرمة , فلا يجوز طلبها , ولا بذلها لمن يطلبها , ولا قبولها من الراشي ولو لم يسبقها طلب.

كما يحرم التوسط بين الراشي والمرتشي للسعى في التوفيق بينهما لأن عمله هذا معونة على الإثم.

قال الله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} (البقرة: ١٨٨) وقد سمى الله الرشوة (سحتا) أي كسبا خبيثا يهلك صاحبه , وذم بعض اليهود بأنهم (أكالون للسحت) .

وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ابن اللتبية على جمع الزكاة فلما رجع ومعه الزكوات وبعض الهدايا قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال العامل نبعثه فيجيئ فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلى , ألا جلس في بيت أمه فينظر أيهدى إليه أم لا , والذي نفس محمد بيده لا نبعث أحدا منكم فيأخذ شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته. . أخرجه البخاري ومسلم.

يستثنى من التحريم حالة الاضطرار , فيما إذا عجز الشخص عن تحصيل حقه الثابت شرعا وليس لديه حجة أو مقدرة على تحصيله ولا يمكنه الاستعانة بمن يوصله إليه فيجوز له دفع ما يرد به الظلم عن نفسه أو يوصله إلى حقه.

ويقع الإثم على الآخذ , دون المعطى , وقد ورد أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه اعتقل في الحبشة بدون وجه حق , فرشى بدينارين حتى خلي سبيله , وقال: إن الإثم على القابض لا على الدافع.

ويجب على من وصلت إليه رشوة أن يردها لأصحابها وإذا تعذر ذلك يتخلص منها بصرفها في المصالح العامة , لأنها كسب خبيث.

وفي الرشوة عقوبة تعزيريه مفوضة إلى الحاكم بما يراه رادعا عنها. .

البيع وقت الجمعة

قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} (الجمعة: ٩)

والأمر في هذه الآية بترك البيع عند السعي إلى الجمعة هو نهي عن البيع الذي يقع في هذه الحالة.

والمراد بالنداء للجمعة هو الأذان الأول على المنارة , لأنه هو الذي يجب السعي عنده إلى المسجد , والنهى اشد عند النداء الثاني بين يدى الخطيب.

ويستمر النهى عن البيع حتى الفراغ من الصلاة ويدل على ذلك قوله تعالى في الآية التالية: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين} (الجمعة: ١٠ - ١١) .

والنهي عن البيع وقت النداء للجمعة هو للتحريم ويأثم بذلك البائع والمشتري.

ويشمل هذا النهي جميع العقود من الإجارة والشركة والنكاح وغيرها كما يشمل مزاولة الصناعات والمهن.

ويجب عند سماع النداء ترك كل ما يشغل عن الجمعة , كالأكل والكتابة والمساومة والمناداة على السلعة , وكذلك ترك الاشتغال بعبادة أخرى كما يحرم المكث في بيته إذ تجب المبادرة إلى المسجد الجامع.

وحكم العقود التي أبرمت عند النداء إلى الجمعة صحيحة , لأن النهى لمعنى في غير البيع خارج عنه وهو ترك السعي , فكان البيع في الأصل مشروعا جائزا لكنه اتصل به أمر غير مشروع.

وذهب بعض الفقهاء إلى أن البيع يفسخ , أو لا ينعقد أصلا.

والحكمة من النهى عن البيع ونحوه منذ النداء للجمعة هي التفرغ عن الشواغل عن تلك العبادة التي فيها ذكر الله والموعظة والتعلم وهى تمثل التجمع الإسلامي الأسبوعي , وذلك لأن التشاغل عنها يؤدى لتركها , وقد ورد في الترهيب من ترك الجمعة ما رواه كعب بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لينتهين أقوام يسمعون النداء يوم الجمعة ثم لا يأتونها أو ليطبعن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم. أخرجه مسلم

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليسع إلى الجمعة , ومن استغنى عنها بلهو أو تجارة استغنى الله عنه , والله غني حميد.

أخرجه الطبراني.

<<  <  ج: ص:  >  >>