[التدليس والتغرير والغش تشكيل النص]
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليس منا أخرجه مسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا , فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما , وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما. أخرجه البخاري ومسلم
التدليس:
نوع من الغش , وهو من الدلس أي الظلمة , أو الدلسة أي الخديعة وهو كتمان عيب السلعة.
التغرير:
إيجاد الرغبة عند المتعاقد بأفعال مموهة أو قول باطل أو إطراء موهوم.
الغش:
تحسين السلعة بطرق خادعة لتظهر سلامتها مع أنها معيبة.
والتدليس: قد يكون بالأقوال كالكذب في الثمن في بيوع الأمانات التي يشترط فيها بيان الثمن الأصلي للسلعة.
وقد يكون بالأفعال وهي كل ما يستر عيب السلعة.
والتدليس والتغرير والغش حرام , وإذا كان التدليس مؤثرا في اختلاف الثمن في المعاملات , يثبت به الخيار لمن وقع عليه شيء من ذلك , فله أن يفسخ الصفقة ليدفع عن نفسه الضرر الناشئ عن التدليس ويثبت حق الفسخ هنا دون اشتراط , لأن الأصل في البيع السلامة من العيوب , وانتفاء التدليس.
على أنه إذا بين البائع عيب السلعة للمشترى , أو اشترط البائع لنفسه البراءة من عيوب المبيع فإن ذلك جائز لعدم الخداع والتدليس.
من صور التدليس: التصرية وهى حبس اللبن في الضرع بترك الحلب أياما عند إرادة بيع الشاة أو البقرة ليوهم المشتري أنها غزيرة اللبن وأن ذلك عادة لها , فإذا حلبها المشتري بعد البيع وتبين له أنها مصراة فله حق الفسخ مع رد صاع من تمر عن اللبن الذي حصل عليه.
وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تصروا الغنم , ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحتلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر رواه البخاري ومسلم.
وتنطبق هذه الصورة على كل شيء تدخل عليه عند البيع تحسينات مؤقتة من أجل خداع المشتري , فله حق الرد مع تقرير مقابل الانتفاع بحسب العرف والخبرة.
بيع المعيب
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم إذا باع من أخيه بيعا فيه عيب أن لا يبينه. أخرجه أحمد في مسنده والحاكم.
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام وقد حسنه صاحبه , فأدخل يده فيه فإذا طعام رديء , فقال: بع هذا على حدة وهذا على حدة , فمن غشنا فليس منا أخرجه أحمد والبزار.
المراد بالعيب كل ما ينقص ثمن الشيء في عادة التجار , لأنه يحصل الضرر بنقص القيمة المالية.
والمرجع في تحديد العيب ومعرفته هو إلى المتعارف عليه عند أهل الخبرة بالشيء.
التعاقد على شراء شيء يقتضى توافر صفة السلامة فيه , ولو لم يشترطها المشتري , لأنها هي الأصل.
وإذا علم البائع في سلعته عيبا لم يجز له بيعها حتى يبينه للمشترى أو يشترط لنفسه البراءة مما فيه من العيوب ليكون المشتري على بصيرة من أمره فيتفحص المبيع جيدا ويكتشف ما فيه من عيوب ويسأل البائع عنها.
على انه إذا باعه سلعة ولم يبين عيوبها فالبيع صحيح - رغم المخالفة الشرعية - لوجود خيار العيب.
إذا اشترط البائع لنفسه البراءة من العيوب فإن الصفقة تامة وليس للمشترى المطالبة بالفسخ إن ظهر له عيب قديم.
وهذا البيع يسمى (بيع البراءة) .
إذا ظهر في المبيع عيب وثبت أنه بسبب قديم , أي قبل تسلم المشتري , فإن له خيار العيب (الحق في الفسخ أو في التمسك بالعقد) وله الاتفاق مع البائع للتعويض عن العيب , وليس له إجبار البائع على التعويض إذا أراد الفسخ فإن الضرر يندفع عن المشتري بتمكينه من رد المبيع المعيب.
يمتنع الرد بخيار العيب إذا طرأ على المبيع عيب جديد عند المشتري , وفي هذه الحالة ينحصر حق المشتري في الحصول على تعويض عن العيب القديم. ولا مانع من تفاهم المشتري مع البائع على الرد مع إضافة تعويض من المشتري عن العيب الجديد.
ولكن هذا يتوقف على رضا البائع لأن في الرد إضرارا بالبائع , لأن المبيع خرج عن ملكه سالما من العيب الجديد فيتعين الرجوع بالنقصان إلا أن يرضى البائع أخذه بعيبه لأنه رضى بالضرر.
التطفيف في الكيل أو الوزن
عن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: خمس بخمس: ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم , ولا حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر , وما ظهرت الفاحشة فيهم إلا ظهر فيهم الطاعون , وما طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذو بالسنين , ولا منعوا الزكاة إلا حبس الله عنهم المطر أخرجه مالك في الموطأ , والبزار في المسند.
والتطفيف هو نقص المقدار في الكيل أو الوزن وهي كلمة مأخوذه من الطفيف وهو القليل , لأن من يسرق من المكيال والميزان يقتصر على الشيء الطفيف حتى لا يكتشف.
وفي شأن التطفيف نزل قوله تعالى: {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين}
قال ابن عباس هي أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة نزل المدينة وكان هذا فيهم , كانوا إذا اشتروا استوفوا بكيل راجح , فإذا باعوا بخسوا المكيال والميزان , فلما نزلت السورة انتهوا , فهم أوفى الناس كيلا إلى يومهم هذا.
وقال أبو هريرة نزلت في رجل من أهل المدينة كان له صاعان , يأخذ بأحدهما , ويعطى بالآخر.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا تلتمس المروءة ممن مروءته في رءوس المكاييل ولا ألسنة الموازين. إذا حصل نقص في الكيل أو الوزن دون تعمد من البائع فإنه يستحق المشتري تكملة ما نقص عليه وإذا كان الشراء واقعا على صبرة (أي جملة غير معروفة المقدار) واشترط المشتري أن مقدارها هو كذا , فظهر إنها أقل أو اكثر كانت العبرة بالمقدار الفعلى , ويعدل الثمن بالنسبة نقصا أو زيادة.
هذا , ومن السماحة في البيع أن يرجح الكيل أو الوزن , وذلك بتوفية المقدار المبيع ثم إضافة شيء يسير للتأكد من التوفية.
وقد مر علي بن أبي طالب رضي الله عنه على رجل وهو يزن الزعفران , وقد أرجح , فأكفأ الميزان (أي أفرغه) ثم قال له: أقم الوزن بالقسط , ثم أرجح بعد ذلك ما شئت.
قال القرطبي كأنه أمره بالتسوية أولا ليعتادها ويفصل الواجب من النفل (أي الإرجاح المرغب فيه) .
السوم على سوم الغير والبيع على بيع الغير
عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبع بعضكم على بيع بعض حتى يبتاع.
وفي رواية: لا يبع الرجل على بيع أخيه , ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له وفي رواية: نهى أن يستام الرجل على سوم أخيه.
والبيع على البيع هو أن يتراضى البائع والمشتري على ثمن السلعة ويعقدان البيع فيأتي شخص ثالث ويعرض على المشتري أن يبيعه مثلها بثمن اقل , فيطلب المشترى فسخ الصفقة. .
والشراء على الشراء أن يعرض شخص على البائع بعد تمام الصفقة ثمنا أكثر مما باع به لكى يطلب من المشتري الفسخ. . .
والسوم على السوم أن يحصل الاتفاق بين البائع والمشتري على السلعة فيعرض مشتر آخر ثمنا اكثر ليأخذها دون الذي سامها قبله.
يحرم القيام بإحدى الحالات المشار إليها , ولكن البيع الثاني يقع صحيحا , لأن النهي ليس لأمر في ذات المبيع , فقد استوفى العقد ركنه وشروطه , وإنما هو لأمر خارجي , وهو الإيذاء والضرر والإفساد وقد جاء ذكر الأخر في الحديث لزيادة التنفير ولإثارة العطف مع عموم الحرمة فيه وفي غيره.
يستثنى من النهى بيع المزايدة , بالمناداة على السلعة وزيادة الناس بعضهم على بعض حتى تقف على آخر زائد فيها فيأخذها.
فهذا البيع جائز بالسنة والإجماع لأنه قائم أصلا على التنافس ولا يفاجأ المشتري أو المساوم بذلك فلا يتضرر.
روى أنس بن مالك أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه الحاجة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما عندك شيء؟ فأتاه بحلس (بساط) وقدح , فقال النبي صلى الله عليه وسلم من يشتري هذا؟ فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم , قال: من يزيد على درهم؟ فسكت القوم , فقال: من يزيد على درهم؟ فقال: رجل أنا أخذهما بدرهمين , قال: هما لك. ثم أمره أن يشترى قدوما يحتطب ويبيع.
ويدل هذا الحديث على مشروعية بيع المزايدة , في حالة خلوه من التلاعب.
كما يدل على دور ولى الأمر في منع التسول وإيجاد فرص العمل لمعالجة البطالة.
المماطلة والتفليس الكيدي
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مطل الغنى ظلم , يحل عرضه وعقوبته وفى رواية لي الواجد ظلم أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي.
والمماطلة: التسويف وتأخير سداد الدين.
يدل هذا الحديث على تحريم المماطلة بالحقوق التي يحين موعد أدائها مع المقدرة والملاءة.
وهذا موجب للإثم , ويستحق المماطل العقوبة المعنوية بإغلاظ القول له والتنديد به والتحذير منه , وكذلك العقوبة الزاجرة له عن فعله.
كما يحق للدائن ملازمته إلى أن يحصل على مستحقاته.
إذا ثبت أن المدين المماطل موسر وقد أخفى أمواله عن دائنه فإنه يحق للمدين رفع أمره إلى القضاء لاتخاذ الوسائل الكفيلة باستخلاص الحق منه , ومن ذلك حبسه ومضايقته إلى أن يخرج الأموال التي أخفاها.
وإذا عثر القاضي على موجودات للمدين المماطل فإنه يبيعها جبرا عنه ويقضى منها ديونه , سواء كان السبب المماطلة أو بسبب التفليس كما وقع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث باع على معاذ رضي الله عنه ماله - حين أفلس - وقضى ديونه.
وإذا لم تكف أموال المدين عند إفلاسه لسداد جميع ديونه فإنها توزع على الدائنين بنسبة ديونهم وهذه الطريقة تسمى قسمة الغرماء.
وقد حثت الآيات والأحاديث على المبادرة لأداء الأمانات والحقوق قال الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} .
وقال أيضا: {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه} .
وقال صلى الله عليه وسلم على اليد ما أخذت حتى تؤديه وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه , ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله. أخرجه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم إن خيركم أحسنكم قضاء أخرجه البخاري ومسلم.