[المشاركة في صفقة بعد التعاقد عليها]
المصدر: كتاب فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني مطبوعات بنك فيصل الإسلامي السوداني فتوى رقم (٢٥)
السؤال:
الرجاء إبداء الرأي الشرعي حول المعاملة التالية: تعتبر طريقة الدفع ضد المستندات وسيلة من وسائل الاستيراد المعروفة والمتبعة في السودان وكثير من الدول الأخرى وهي تعنى
أن يقوم المصدر بشحن البضاعة لبلد المستورد شريطة أن يتم الدفع للمصدر الأجنبي بمجرد وصول مستندات شحن البضاعة وقبل استلامها ويتم التنفيذ بواسطة البنك الذي تصل إليه المستندات بمعنى أن يقوم مستورد البضاعة بدفع قيمتها بالعملة المحلية للبنك واستلام المستندات وبذلك
تصبح البضاعة ملكا له ويحق له تخليصها بهذه المستندات وتتم العملية بعد أن يقوم البنك بتحويل قيمة البضاعة للمصدر الأجنبي بالعملة الأجنبية حسب توفر العملات الأجنبية لديه وفقا للأولويات الموضوعة وتجدر الإشارة هنا إلى أن تحويل قيمة البضاعة للمصدر الأجنبي يأخذ وقتا طويلا قد يمتد إلى بضع سنوات (رغم أن المستورد قد قام بالدفع قبل استلام المستندات) وذلك لظروف البلاد المالية
وقد أدى تأخير تحويل قيمة البضاعة التي تستورد بهذه الطريقة إلى عزوف المصدرين عن التعامل بها مع السودان ويطلبون التعامل عن طريق خطابات الاعتماد استورد أحد التجار السودانيين بضاعة من الهند عن طريق الدفع ضد المستندات وقد وصل جزء من البضاعة وتم تخليصه وهي مخزنة بمخازنه بأم درمان والجزء الآخر بالميناء تحت التخليص لكي يضمن التاجر تحويل قيمة البضاعة للمصدر الأجنبي في وقت قصير تقدم التاجر إلى البنك يطلب منه تحويل قيمة البضاعة للمصدر خلال فترة شهر على أن يدفع له ٢٠% هامش مرابحة حسب قوله من قيمة البضاعة المحولة هناك اتجاهات:
اتجاه يرى أن هذه العملية ربوية وهي شبيهة بخصم الكمبيالات ولذلك يرى عدم الدخول فيها
واتجاه آخر يحاول وضع هذه العملية في إطار المشاركات المشروعة على النحو التالي: اعتبار العملية مشاركة يساهم فيها البنك بتوفير قيمة البضاعة بالعملة الأجنبية ويساهم فيها التاجر (الشريك) بمقابلة المكون المحلي للعملية وهي تشمل الجمارك والتخليص والترحيل والتخزين وغيرها ويتم بيع البضاعة بالأسعار السائدة بالسوق وتوزع الأرباح المحققة بتخصيص جزء منها للإدارة وتكون من نصيب الشريك ويكون باقي الربح لرأس المال ويوزع بين الشركاء حسب مساهمة كل طرف في رأسمال العملية
ويتساءل هذا الاتجاه عن تكييف وضع البضاعة التي لم يتم تخليصها من الجمارك وهي تقع في حكم بيع الغائب أم أنه يمكن اعتبار شراء المستندات (شراء بضاعة موصوفة بالمستندات) ؟ لتوضيح العملية لابد من ذكر النقاط التالية:
أولا: أن هدف التاجر هو تحويل قيمة البضاعة للمصدر لأن هذا يؤثر على علاقاتهما مستقبلا وليس هدفه المشاركة في الربح بدليل أنه دفع قيمة البضاعة واستلم المستندات واستلم بضاعته ويمكنه بيعها واستلام الربح كاملا
ثانيا: العمليات المشابهة التي تدخل فيها البنك مشاركا دفع نصيبه بالعملات المحلية وليس بالعملات الأجنبية
ثالثا: يمثل هذا النوع من العمليات جزءا كبيرا من العمل لأن معظم الاستيراد يتم بهذه الطريقة
رابعا: يوجد لدى البنك مبالغ كبيرة دفعها أصحابها نظير مستندات منذ فترة ولم تحول للمصدرين نسبة لعدم توفر النقد الأجنبي؟
الجواب:
درست الهيئة الاستفسار المشار إليه أعلاه واستمعت إلى شرح للعملية من السيد مقدم الاستفسار ومن السيد مدير فرع الخرطوم ونظرت في الإجابة الأولية المقدمة من البروفسير الصديق الضرير وبعد المناقشة قررت الإجابة عن المسائل التي تضمنها الاستفسار على النحو التالي:
المسألة الأولى: الدفع ضد المستندات:
أولا: طريقة الدفع ضد المستندات في ذاتها مقبولة شرعا والشرط الذي يشترطه المصدر وهو (أن يتم الدفع للمصدر بمجرد وصول مستندات شحن البضاعة وقبل استلامها) شرط صحيح لأن من حق البائع أن يحبس المبيع عن المشتري حتى يدفع الثمن
ثانيا: طريقة تنفيذ عملية الدفع ضد المستندات المبينة في الاستفسار والتي يفهم منها أن المستورد يدفع قيمة البضاعة للبنك بالعملة الأجنبية في وقت لاحق حسب توفر العملات الأجنبية لديه - هذه الطريقة تتوقف معرفة حكمها على تحديد الفئة التي يتم بها دفع المستورد العملة المحلية للبنك (أ) فإن كان المستورد يدفع العملة المحلية للبنك على أنها هي المقابل للثمن (العملة الأجنبية) وأن ذمة المستورد قد برئت بهذا الدفع وأن على البنك أن يدفع للمصدر مقابلها بالعملة الأجنبية عندما تتوافر لديه فإن هذه المعاملة لا تجوز شرعا لأنها تتضمن عملية صرف مؤجل والصرف المؤجل لا يجوز إلا يدا بيد وذلك لأن المستورد يشتري من البنك العملة الأجنبية التي هي ثمن البضاعة بالعملة المحلية التي يدفعها إليه ويتسلم المستندات ولكن البنك لا يسلم المستورد العملة الأجنبية ولا يرسلها إلى المصدر إلا بعد مدة من الزمن وهذا هو الصرف المؤجل الممنوع بنص الحديث (ب) وإن كان المستورد يدفع العملة المحلية للبنك على أنها هي المقابل للثمن (العملة الأجنبية) وقت الدفع ليحفظها البنك إلى أن يجد العملة الأجنبية فيشتري منها بالسعر حينذاك فإن بقي شيء من العملة المحلية ردها البنك إلى المستورد وإن نقصت طالب البنك المستورد بالنقص ثم يحول العملة الأجنبية للمصدر - فإن هذه المعاملة تكون مقبولة شرعا وقد أكد السيد مدير فرع الخرطوم أن هذا هو الواقع في معاملة البنوك وبناء عليه قررت الهيئة جواز المعاملة بهذه الصفة شريطة أن يوضح البنك هذه الحقيقة للمتعاملين معه (ج) وهنالك صفة ثالثة يمكن أن يتم عليها الدفع وتكون العملية مقبولة شرعا وهي أن يدفع المستورد العملة المحلية للبنك على أنها بدل عما في ذمته من العملة الأجنبية بسعر يومها ويقبض البنك العملة المحلية بصفته وكيلا عن المصدر وبهذا تبرأ ذمة المستورد ويكون المصدر مستوفيا للثمن الذي قبضه نيابة عنه فإن شاء المصدر تسلمه بالعملة المحلية وإن شاء وكل البنك في صرفها بالعملة الأجنبية وتحويلها إليه وليس للبنك ولا للمصدر في هذه الحالة مطالبة المستورد بالنقص إذا ارتفع سعر العملة الأجنبية وقت شرائها كما ليس للمستورد المطالبة بالزائد إذا انخفض السعر
ثالثا: ما يفهم من الاستفسار من أن المستورد لا يملك البضاعة إلا بعد دفع قيمتها بالعملة المحلية للبنك واستلام المستندات غير سليم من وجهة النظر الشرعية لأن المستورد يملك البضاعة بمجرد تمام العقد بالإيجاب والقبول ودفع الثمن ليس شرطا في انتقال الملكية إليه بالعقد
المسألة الثانية: الطلب الذي تقدم به التاجر:
أولا: الطلب الذي تقدم به التاجر لبنك فيصل الإسلامي السوداني بالصورة التي وردت في المثال المذكور في الاستفسار لا يجوز قبوله شرعا لأنه عبارة عن طلب قرض بفائدة فإن التاجر المستورد كما جاء في المثال يتعهد بدفع ٢٠% ربحا من قيمة البضاعة التي سيحولها البنك إلى المصدر فكأن المستورد استقرض من البنك قيمة البضاعة بفائدة ٢٠ % وهذا ربا سواء دفع المستورد القيمة بالعملة المحلية أو بالعملة الأجنبية وليس بين هذه المعاملة التي يطلبها هذا التاجر وبيع المرابحة أو المشاركة أي صلة لأن الطلب الذي تقدم به التاجر فيه التزام بدفع ٢٠% من قيمة البضاعة التي يدفعها البنك وليس فيه أي إشارة إلى المشاركة أو توزيع الربح
ثانيا: إن المعاملة التي يطلبها هذا التاجر يمكن أن تتم في صورة مشاركة على النحو التالي: أن يشتري البنك من التاجر جزءا شائعا من البضاعة التي في أم درمان والتي في الميناء - نصفها أو ثلاثة أرباعها - بالعملة الأجنبية فيكون البنك بهذا الشراء شريكا للتاجر في البضاعة شركة ملك يستطيعان بعدها أن يعقدا شركة عقد تجعل لكل منهما حق التصرف في البضاعة وتوزيع الربح بالطريقة التي يتفقان عليها كما يستطيع التاجر أن يحول إلى المصدر قيمة البضاعة بالعملة الأجنبية التي دفعها البنك هذه الصورة من المشاركة وإن كانت جائزة عند الحنفية إلا أنها لا تخلو من شبهة اجتماع البيع والشركة في عقد واحد ولذا فإن الهيئة ترى أن الأولى والأسلم أن يلتزم البنك في المستقبل طريقة المشاركة التي لا شبهة فيها في مثل هذه الحالات وهي أن تتم المشاركة بين البنك والتاجر قبل أن يستورد التاجر البضاعة على أن يدفع البنك نصيبه بالعملة الأجنبية ويدفع التاجر نصيبه بالعملة المحلية فإذا استورد التاجر البضاعة كانت ملكيتها له وللبنك معا ثم تباع البضاعة ويقتسمان الربح حسب الاتفاق وإذا حدثت خسارة تكون حسب رأس مال كل واحد منهما كما هو الشأن في الشراكة
المسألة الثالثة: تكييف بيع البضاعة التي لم يتم تخليصها: البيع الذي يتم بين المستورد والمصدر سواء وصلت البضاعة بورسودان أو لم تصل هو من بيع الغائب على الصفة لأن المستورد لا يرى البضاعة وقت الشراء وإنما يصفها له البائع أو يطلب التاجر المستورد بضاعة بصفة معينة ويوافق المصدر عليها وقد يكون هذا البيع من البيع بالنموذج - البيع بالعينة - إذا أرسل المصدر عينة من البضاعة وكل من بيع الغائب على الصفة والبيع بالنموذج جائز شرعا عند جمهور الفقهاء